الحب في زمن الكوليرا - غابرييل غارسيا ماركيز




في نهاية القرن التاسع عشر في قرية صغيرة في الكاريبي، تعاهد عامل تلغراف وكان شاباً فقيراً في مقتبل العمر وإن كان ليس وسيماً وتلميذة رائعة الجمال على الزواج, وخلال ثلاث سنوات لم تكن حياتهما الا الواحد من أجل الاخر.

تطرد الفتاة من المدرسة الدينية لأن الراهبة ضبطتها تكتب رسالة

حب لهُ، كما يرفض والدها التاجر هذا الحب لانه يأمل لابنته
بعريس من طبقة اجتماعية اعلى 
فيسافر بها بعيدا عن حبيبها. 

تمرض فرمينا وكانت اعراض مرضها تشبه اعراض مرض الكوليرا فيأتون بابرع طبيب موجود بالبلد لفحصها، واتضح فيما بعد ان المرض لم يكن كوليرا.
واحبها الطبيب وتزوجها، حينئذ جاهد العاشق المهزوم "فلورينتينو اريثا" لكي يجعل له اسماً لامعاً ويكّون ثروة حتى يكون جديراً بمن أحبها، شخصية” اريثا “ تمتلك رصيداً هائلاً من القدرة على الصبر والتصميم، والكفاح لكي يبقى حياً، مارس انواع عديدة من
المهن وشتى السبل بغية ان لا يهزم وذكرى الحب لصيقة ذاكرته، عشقه لـ” فرمينا داثا “ التي تزوجت من الطبيب اصبح يشاغل واقعه ومفاصل حياته.

ولن يكف عن ان يحبها طوال أكثر من خمسين عاماً حتى ذلك اليوم الذي سينتصر فيه الحب. فيسارع لتقديم عهد الحب لــ(فرمينا) في نفس يوم وفاة زوجها مما يجعلها تطرده بكيل من الشتائم، ولكنه لا يفقد الأمل ويستمر في محاولة كسب صداقتها بطريقة عقلية، حيث لم تعد الرسائل العاطفية لها من تأثير مع امرأة في السبعين.

يرسل لها رسائل عبارة عن تأملات في الحياة والزواج الشيخوخة تنال رضاها وتساعدها على تقبل الشيخوخة والموت بطريقة
أفضل وتقبله شيئاً فشيئاً كصديق من عمرها، تتبادل معه الأحاديث والتأملات فيما لا زال هو يرى فيها الحبيبة رغم تبدل مظهرها وذبولها وتجاوزهما عمر (70 عاما)، ويتصادقان مع تشجيع ابنها الذي يفرح لأن أمه وجدت رفيقاً من عمرها يتفاهم معها ومع نقمة ابنتها التي ترى الحب في هذه السن (قذارة)، مما يؤدي بالأم لطردها من بيتها.

 يدعو (فلورنتينو اريثا) حبيبته لرحلة نهرية على سفينة تملكها شركته فتوافق، وهناك يقترب منها أكثر وتدرك بأنها تحبه رغم شعورها بأن عمرها (70 عاما)لا يصلح للحب، ولكن (فلورنتينو اريثا) استمر بالأمل والسعي لراحتها فيتخلص من المسافرين الآخرين بخدعة أن السفينة عليها وباء الكوليرا لكي لا تنتهي الرحلة ويكون الفراق...

... تنتهي الرواية والسفينة تعبر النهر ذهاباً وجيئة رافعة علم الوباء الأصفر دون أن ترسو إلا للتزود بوقود فيما تضم عش الحبيبين
الذين لا يباليان بكبر عمرهما ويقرران أنهما الآن في مرحلة أفضل لوصول مرحلة ما وراء الحب وهي الحب لذات الحب.

يهربان من ارض ولد حبهم عليها ونما محاصراً بالحروب والاوبئة. يهربان في سفر دائم.
 يسأله قبطان سفينته: الى متى سنظل في رحلة الذهاب والاياب؟
ـ يجيبه اريثا الممتلئ بالحب والطاقة:

مدى الحياة. !!!




غابرييل خوسيه غارسيا ماركيز ( Gabriel José García Márquez) :
( 1927- 2014) روائي وصحفي وناشر وناشط  
وسياسي كولومبي. عاش معظم حياته في المكسيك وأوروبا وقضى  معظم وقته في مدينة مكسيكو. نال جائزة نوبل للأداب عام 1982 وذلك تقديرا للقصص القصيرة والرويات التي كتبها.

ومن أشهر رواياته:

*مائة عام من العزلة 1967 :والتي بيع منها أكثر من 10 ملايين نسخة .

*خريف البطريرك، 1975.


*قصة موت معلن، عام 1981 .


*رائحة الجوافة عام 1982 .



*الحب في زمن الكوليرا، عام 1986 .


عزرائيل والكاتب




عندما كان السيّد "عزرائيل" يشرب قهوته هذا الصباح الباكر كان يبدو عليه الانشغال واضحاً بأمر تلك الضحية المهمة التي انتهى أجلها اليوم. إنه على موعد هذا الصباح مع الكاتب الكبير "عمر الخالد" ليقبض روحه فيجب ان يستعد له استعداداً خاصاً يليق به.
تناول عزرائيل دفتره، ضبط برنامج يومه، تأكد من أن السيد "عمر الخالد " على رأس القائمة، غيّر لباسه متنكراً وتسلل خفية،
سيستقل سيارة تاكسي اليوم فالحريف مهم ويجب الوصول في أحسن الظروف مخافة أي تعطيل أو أي خلل – لقد كره ركوب الحافلات منذ أن وقعت له تلك الحادثة عندما سرق منه دفتره – لقد كان السارق يظنه محفظة نقود فلم يجد فيه سوى قوائم طويلة وعريضة لأسماء ربما يعرفها أو لا يعرفها، رماه السارق بغضب على الرصيف وواصل حرفته.
أما عزرائيل فقد دفع الثمن غاليا فقد كاد يرفض من عمله لو لم تشفع له أقدميته وخبرته، ولكنه عوقب مع ذلك بأن نفي إلى أسفل السافلين...
استنتج الملاحظون حينها أن نسبة الوفيات انخفضت كثيرا. لكنه سرعان ما استعاد مهامه إذ لا يمكن الاستغناء عنه فقد كاد العالم يأكل بعضه بعضا لانخفاض الوفيات وازدياد الولادات وقد صادف ذلك أيضا انتشار المجاعات وظهر حينها بين شعوب آسيا ما يسمى بالهيجوج والميجوج."
وقفت سيارة التاكسي بشارع "القدر" نزل عزرائيل وأخذ يبحث عن بيت "عمر الخالد"... قطع الشارع كلّه ولم يجد الرقم المسجل في دفتره فرأى صبية يلعبون الكرة سألهم عن بيت الكاتب الشهير "عمر الخالد".
- صاحوا كلهم مع بعض :
آه ذلك الذي تظهر صوره بالجرائد والتلفزيون ؟ نعرفه – ذاك هو بيته... شكر عزرائيل الصبية على مساعدتهم وشكر وسائل الإعلام العصرية على تسهيل مهمته.

وقف أمام باب الدار، رن الجرس .
ظهرت في الحديقة سيدة شابة، جميلة ، لفت نظر عزارئيل بياض جيدها تمنى لو كانت هي المعنية بالأمر، رأت المرأة رجلا يحمل دفترا فصاحت به :
- " من ؟ فاتورة الكهرباء أم الماء أم ...
- "إنها فاتورة الحياة" رد عزرائيل بصوت خافت .
- ماذا ؟
- هل السيد "عمر الخالد " موجود؟ من فضلك !
- آسفة إنه غير موجود.
- أين ذهب هل يعود بسرعة .
- إنه رحل .
- رحل ؟ لا يمكن أن يرحل قبل وصولي؟ هل هناك من يزاحمني مهنتي ؟ لا ! لا يمكن
- لماذا لا يمكن؟ هل كان يجب أن يستشيرك قبل أن يرحل. إنه لم
يرحل إلا هروبا من البشر وملاحقتهم ...
- لكنني لست من البشر سيدتي !
- لست من البشر ؟
- أقصد لست من هؤلاء البشر المزعجين ... ولكن أين رحل .
- رحل إلى قريته، أين تريده أن يرحل قلت لك أنه هرب من البشر...
- جيد جدا إني أعرف بيته بالقرية سألحق به مباشرة.
- أرجوك ! إنه لا يستقبل أحدا...
- لا ! اطمئني سيدتي فأنا لست من أولئك الزوار الثقلاء ... أنا لا أزور إلا في الوقت المناسب وفي اللحظةالحاسمة، ثم بالنسبة إليّ أعدك أنني لن آخذ من وقته الكثير فسوف أقوم بمهمتي في بضع دقائق، إذا كان مشغولا إلى هذه الدرجة، فأنا أيضا ورائي أرواح أخرى ".
- ماذا تقول ؟
- أقصد ورائي أعمال أخرى...
- ألا يمكن أن تأجل مهمتك هذه ؟
- لا ! مستحيل المهمة خطيرة ومؤقتة بدقة لا تحتمل أي تأخير... يجب أن تتم اليوم وإلا اختل نظام الكون.
- ألا نستطيع أن نبلغها عنك؟
- سيدتي أرجوك! لا أريد من يتدخل في شغلي فلسنا في مجال مزاحمة ! أعلمك أني قد رشحت لهذه الوظيفة منذ بداية الخليقة وسأواصلها مدى الحياة ولن يستطيع أحد أن يزحزحني عن منصبي... ليست الأمور بهذه البساطة، كما أعلمك أنه رغم تعييني من قبل السلطات العليا إلا أنني أحظى بشعبية لا مثيل لها، كل ذلك من أجل تفانيَ وإخلاصي في عملي .
"إذا كنت ستلقى عليّ محاضرات فأخبرك أنني أعيش في تخمة ... عن أذنك !"
أغلقت بابها ودخلت .
كان عزرائيل يعرف قرية "عمر الخالد " وبيته فاتجه إليه مباشرة... تسلل إلى غرفته دون ان يراه أحد.
كان الكاتب غارقا بين أوراقه فلم يشعر بدخوله ! تحيط به مكتبة عالية كلها 
مجلدات مغبّرة وداكنة اللون تبعث على الرهبة .
وقف عزرائيل في العتبة يتأمله :
- "لن تفلت مني هذه المرّة، ولن تشفع لك شهرتك واسمك وكتبك
و... سأميتك هنا في هذا الخراب وفي هذه القرية النائية البائسة ميتة الكلاب فلن يراك أحد... إنك لم ترني ولم تتذكرني طوال حياتك... انشغلت بكتبك وأغواك المجد وأعمتك الشهرة .. 
ها قد حانت ساعتك... لئن أفلت مني فيما مضى ونجوت بأعجوبة في كل مرة حاولت فيها القضاء عليك... فإن هذه المرة هي القاضية ... لن أرحمك ... الآن سوف تعرف أنني الأقوىى. لن تتفوق عليّ بشهرتك ... بل أنا أشهر منك من لا يعرف عزرائيل؟ من لا يخافه؟ ومن لا يحسب له ألف حساب؟ أما أنت فأين جمهورك وقراؤك ها أنت وجها لوجه مع الموت !
لا تظن أنك أفلت مني في المرات السابقة لأنك الأقوى فأنا الذي أمهلتك وطمّعتك بالحياة والشهرة لتكون الجولة الأخيرة لي ، إني أرتب لك هذه الميتة منذ أيام الدراسة ،،، منذ بدأت تتفوق، تتعالى وتكبر، حتى لم تعد تعرفنا والآن دعني اختار لك الميتة التي تناسبك ... هل أقتلك مثلما قتلت الجاحظ مردوما تحت أكوام كتبه.. أم أخمد أنفاسك على مكتبك فتموت شهيد القلم والأوراق .
لا لن أمنحك هذا الشرف سأميتك بعيدا عن عالمك الذي أفنيت عمرك من أجله، ستموت كأي مواطن عادي مغمورا بعيدا عن الأضواء و... فجأة رفع الكاتب رأسه .
- "من أنت ؟ وما تفعل هنا ؟
- أنا عزرائيل ؟
- نعم ...؟
- فتح الكاتب عينيه جيدا، تأمله طويلا بصمت .... ثم قام عن مكتبه بثقة وأناة واتجه نحوه.
- "أنت عزرائيل إذا ! طيّب ! أهلا وسهلا بك أظن أنك أتيت من أجل الإطلاع على ما كتبته عنك لا بد أنّك قد عرفت بذلك "...
- "ماذا ؟"
- ألا تعلم أنني بصدد كتابة رواية أنت بطلها "عزرائيل " ما رأيك؟ ولكنني لم أكملها ... وها أنك تأتي في وقت غير مناسب وتعمل لغير صالحك... إني استغرب أمرك إنك تضيع فرصة ذهبية... في حين أني أريد أن أخلدك وأدخلك التاريخ من بابه الواسع... وإن كنت مصرا على قبض روحي... فلك ذلك ولكن أعلم أنك أنت الذي ستخسر في النهاية.
- "غير معقول ! إن الأقدار تخبئ لي مفاجآت خارقة (مخاطبا نفسه) هل يمكن أن اطلع على هذه الرواية ".
- "ممكن جدا بما أنها تتعلق بك . وأنا يسرني أن يتعدد ويتنوع قرائي... ولكن بما أنك صرت هنا فاسمح لي بأن استغل وجودك لأسألك عن بعض الجزئيات والتفاصيل التي يمكن أن تساعدني في تصوير شخصيتك بأمانة ودقة أكثر ... تعال يا أخي... تفضل إلى غرفة الجلوس لماذا أنت واقف هكذا منتصبا عند رأسي... أنا أقدر موقفك وسأسهل لك مهمتك ... ولكن تعالى نجلس قليلا ... لأتعرف على شخصك أكثر... فأنت شخصية مهمة 
وقد آليت على نفسي أن لا أموت قبل أن أخلدك ...
ماذا يشرب السيد "عزرائيل "؟
أتحب المشروبات الروحية ؟
ــــــ"لا شكرا ! هذه المشروبات لنا منها سواق وأنهار في العالم الآخر... لا أريد شيئاً فإني مستعجل. لي شخصيات أخرى هامة ... لا أستطيع أن أعهد بها إلى أعواني...
ــــــ"لا لابدّ أن تشرب شيئاً..." خذ الرواية إبدأ بقراءتها .... حتى 
اعود اليك بشئ تشربه "
لما عاد "عمر الخالد " كان " عزرائيل " قد غرق في تفاصيل الرواية
و نسي امره.



حياة الرايس:

الجنسية : تـــــــونسية

الصفة : أديبة و كاتبه

المؤهلات : بكالوريوس فلسفة :جامعة بغداد كلية الآداب
1981

الوظائف : أستاذة فلسفة

اللغات : العربية ـ الفرنسية ـ الانجليزية

الأوسمة : وسام الاستحقاق الثقافي من لدن رئيس الجمهورية

التونسية 2001

رئيسة رابـطة الكـاتبـات التونسيـات


المؤلفات :


"ليت هندا... " مجموعة قصصية (تونس 1991 )

"جسد المراة :من سلطة الانس الى سلطة 

الجن "

( القاهره 1995 عن دار سينا )

"المراة ،الحرية ،الإبداع " (عن مركز الدراسات و 

البحوث و الإعلام حول المراة تونس 1992 )

"سيدة الأسرار ـ عشتار " ط ـ أولى 2003

ط ـ ثانيه 2004


ترجمت الى الفرنسية و الاسبانية و الدانماركية 


قاصه و شاعرة و كاتبة مسرح و باحثة تنشر أعمالها بالشرق الاوسط ،الحياة ،اخبار الادب ،القدس ، الزمان ، الرائد ،نزوى ،الراوى ،عبقر


ركن ثابت بملحق جريد الصحافة :ورقات ثقافية

شاركت فى عديد الملتقيات و المؤتمرات و الندوات و المهرجانات الثقافية العربية و الدولية


عضو بإتحاد الكتاب التونسيين

عضو بجمعية الصحفيين ااتونسيين

عضو بجمعية المؤلفين و الملحنين التونسيين

عضو بالاتحاد الوطنى للمراة التونسية

مؤسسة منتدى القصاصين بإتحاد الكتاب التونسيين 1984

مئة عام من العزلة - غابرييل غارسيا ماركيز



دراسة حول الرواية: حبيب فارس




"مئة عام من العزلة" هي من أهم الروايات العالمية المعاصرة، كتبها بلغته الإسبانية الأم الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز عام 1967، وترجمت فيما بعد الى سبعة وثلاثين لغة، بما
فيها العربية، وهي من أفضل أعمال الكاتب التي أدت الى منحه جائزة نوبل للآداب عام 1982. وتنتمي "مئة عام من العزلة" الى مدرسة الواقعية السحرية التي ميّزت الأدب الأميركي اللاتيني خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي. وإذ تتفاوت تعريفات أدب الواقعية السحرية، فإن المشترك بينها هو أنه الأدب الذي تمتزج فيه عناصر الأسطورة والواقع ليعبّر بأساليب موضوعية عن مشاعر ذاتية تتجلّى فيها القضايا الحقيقية بصيغ لا تنطبق على الحياة الواقعية اليومية. 



تمثل فكرة الانعزال والإغتراب بشقيها المادي والروحي مركز مواضيع الرواية المتعددة والمحرّك الأساسي لأحداثها وأشخاصها. فبلدة "ماكوندو" الوهمية التي تأسست في أدغال أميركا اللاتينية النائية والممطرة ترمز الى القرية المنعزلة خلال العهود الإستعمارية وما أعقبها من عهود تبعيّة. وفي هذه البلدة تعاقبت ستة أجيال لأسرة "بوينديا" في دوامة من العزلة والأنانية، لأفراد منفصلين عن بعضهم البعض ولو كانوا يقطنون المنزل الواحد، بما يجعل من حياة هذه الأسرة تجسيداً لحياة الأسرة الأميركية اللاتينية الأرستقراطية التقليدية. 


تتوالى على مدى الرواية مظاهر العزلة والإنسلاب لدى أشخاصها من خلال جملة من المغامرات الاستكشافية والحربية وسلسلة من الممارسات الغريبة، بحثاً عن معنى حقيقي للحياة، وبخاصة البحث عن الحب الحقيقي، لكن دون جدوى. اللهمّ في
المرة الوحيدة التي نشأت علاقة تخللها قليل من الحب والسعادة، بين "أوريليانو" و"بترا كوتس". وهذه العلاقة كادت أن تتكرر في نهاية الرواية بين "أوريليانو بابيلونيا" و"أمارانتا أورسولا" اللذان قررا إنجاب طفل كان يأمل والده بأن يعيد إحياء مجد الأسرة التي شارفت على الإنقراض. إلا أن العاقبة كانت وخيمة، حيث توفيت "أمارانتا" مباشرة بعد وضع طفل له ذيل خنزير، كثمرة لعلاقة سفاح القربى بين والديه، حيث تبين أن الأم لم تكن سوى عمة الأب. ومع هذا الطفل الذي أكله النمل، لم يكتب البقاء لجيل سابع في أسرة "بوينديا". لكن ظهور هذا الحب ولو مع نهايته المأسوية، كأنما يبشر بظاهرة ايجابية ربما قصد الكاتب من خلالها الإيحاء بأن الحبّ الحقيقي يرمز الى القيم الإشتراكية التي آمن بها شخصياً، كبديل لعالم العزلة والأوهام والهواجس العصبية التي ترمز اليها حياة وقيم أسرة "بوينديا" التقليدية البالية.



تزدحم الرواية بتفاصيل دراماتيكية غريبة ومذهلة لأحداث ومغامرات متتالية. تبدأ بزيارات الغجر الموسمية لبلدة "ماكوندو" وعرضهم فيها بضائعهم الجديدة القادمة من العالم الخارجي، كالثلج الاصطناعي والتلسكوبات، حيث يتأثر الجد المؤسس بهذه
المعروضات وتسيطر عليه حالة من الهوس في البحث عن اكتشافات جديدة مشابهة، دون أن يفلح بتحقيق طموحاته، فينتهي الى حالة من الجنون تربطه أسرته على إثرها لسنوات عديدة وحتى وفاته، بشجرة كستناء. لكن شبحه يبقى حاضراً في البلدة وخاصة بين أفراد أسرته. فهو يورث هوسه بالإكتشافات الجديدة وشدة تركيزه كما قوته البدنية وروحه المغامرة وتسرعه وعزلته الى أبنائه وأحفاده. 


تفقد البلدة براءتها وعزلتها تدريجياً عندما تبدأ علاقتها بالبلدات المحيطة، حيث تندلع الحروب الأهلية التي تجلب العنف والموت الى "ماكوندو"، والتي يلعب فيها ابن "خوزيه أركاديو بوينديا" الأصغر،"أوريليانو"، دوراً بارزاً كزعيم للمتمردين الليبراليين وبعد اكتسابه صيتاً سيئاً بصفته الجديدة "العقيد أوريليانو"، خاصة بعد سلسلة من الإنقلابات الدموية التي حصلت في البلدة، حيث تغيرت حكوماتها مراراً، بما في ذلك حكومة الدكتاتور "أركاديو" الذي يعتبر الأشد قساوة في أسرة"بوينديا"، وهو الذي أعدم بالرصاص في نهاية المطاف، إثر انتفاضة أدت الى توقيع معاهدة سلام بين المحافظين والليبراليين. 


وتعيش أسرة "بوينديا" سلسلة لا متناهية من أحداث الوفاة والزواج والعلاقات العاطفية الغريبة، تتوالى فيها العلاقات الجنسية الجامحة لبعض أفرادها، بما في ذلك ارتياد الرجال بيوت
الدعارة وعلاقات سفاح القربى، وهي العلاقات التي جعلت أجيال الأسرة أسيرة هاجس الخوف من العقاب بولادة الأطفال الذين لهم ذيول الخنازير، بينما انزوى العديد من أفراد الأسرة في عزلة شبه دائمة في غرفهم المغلقة، يشغلون أنفسهم بصناعة الأسماك الذهبية الصغيرة أو البحث عن أسرار الأسرة ومصيرها داخل المخطوطات القديمة. 


من جهة أخرى، تتعاظم أحداث بلدة "ماكوندو" المأساوية مع تعاظم الممارسات والأنشطة الاستغلالية والاستبدادية التي تعرض لها مواطنيها من قبل الشركة الأميركية الاحتكارية المسيطرة على زراعة الموز، بما فيها الاضراب الاحتجاجي الذي قمعه الجيش بوحشية وأدى الى مجزرة ذهب ضحيتها الآلاف من المزارعين والعمال. وتنتهي أحداث الرواية بخمس سنوات من المطر المتواصل والفيضانات التي تقضي على بلدة "ماكوندو" بما فيها آخر أفراد عائلة "بوينديا"، وذلك تزامناً مع توصل الأخير الى فكّ تلاصم الغجر القديمة التي كانت تنبأت بالنهاية المأساوية لأولئك "الذين يعيشون خارج دائرة ما هو مقرّر سلفاً".

بيئة القصة:
ربما كانت مواضيع الرواية غير العادية سبباً في اعتماد الكاتب بناء غير عادي لروايتة. فهو لم يلتزم جدولاً زمنياً منتظماً لروايته، بل جعل حركة التاريخ تكرر نفسها وصولاً الى دورانها داخل حلقة واحدة، جامعاً بين الماضي والحاضر والمستقبل، تماماً كما جمع بين الأسطورة والواقع، الحرب والسلم، التخلف والتقدم، الشخصي والعام، وكما تعمّد ألا يكون للرواية بطلاً رئيسياً، ناهيك عن تكراره غير المألوف لأسماء أبطال الرواية.


ومثلما ترك الكاتب خيار زمان الرواية للقارىء، ترك أيضاً أحداثها تتحرك في أمكنة غير محددة المعالم. فالكاتب وإن عرض بين الحين والآخر بعض التفاصيل المحيطة بأشخاصه، لم يصف
مثلاً، بدقة وبشكل متكامل منزل أسرة "أوريليانو" رغم ايوائه للعشرات من أبنائها والمئات من زائريهم، كذلك لم يرسم صورة مترابطة لمعالم بلدة"ماكوندو" وأبنيتها وساحاتها وحقول موزها ومحيطها. وكأنه أراد للأمكنة أن يكون معزولاً بعضها عن البعض على شاكلة أحداث وأشخاص الرواية. علماً بأنه ترك القارىء يتخيل أشكال وصور هذه الأمكنة من خلال أساليب حياة وأنشطة قاطنيها والمتحركين في فلكها. وهكذا تصبح الأماكن وهمية لكنها في نفس الوقت شبيهة بتلك الأماكن الحقيقية التي نعرفها أو نستطيع تخيلها في معظم بلدان العالم الثالث، فقط من خلال أسلوب الكاتب السردي الرائع ومزجه الحذق بين الأسطوري والواقعي.



 تجسّد أحداث الرواية الخيالية شخصيات أسطورية لكنها تشبه الأبطال الحقيقيين، وتدور هذه الأحداث في أزمنة وأمكنة وهمية لكنها تشبه الأزمنة والأمكنة الواقعية. وهذا سرّ لازمكانية هذه الرواية التي تجمع بين الرواية الكلاسيكية وكتاب التاريخ غير
الرسمي والسيرة الذاتية غير الموقعة للكاتب نفسه، من خلال عرض أحداث وشخصيات وقصص حقيقية وأسطورية، إما عايشها الكاتب أو سمعها على ألسن أقربائه وآخرين أو جمعها من الكتب والمخطوطات القديمة. وإن بدت هذه الرواية الخالدة محاولة من قبل الكاتب لتفسير التاريخ الحقيقي لأميركا اللاتينية من خلال تداخل الواقعي بالأسطوري وبأسلوب نقديّ مشوّق يزاوج فيه بين الجدية والسخرية وبين المأساوي والكوميدي، فإن البديل الذي يقترحه الكاتب، ولو تلميحاً، المتمثل بالخروج من عالم العزلة المحكومة بسقف الخرافة والأوهام والتقاليد البالية، الى عالم الانفتاح الذي تسوده الرؤى والأفعال العقلانية والتحررية، إنما يتعدى كولومبيا وأميركا اللاتينية ليكتسب بعده العالمي. 




غابرييل خوسيه غارسيا ماركيز ( Gabriel José García Márquez) :
( 1927- 2014) روائي وصحفي وناشر وناشط  
وسياسي كولومبي. عاش معظم حياته في المكسيك وأوروبا وقضى  معظم وقته في مدينة مكسيكو. نال جائزة نوبل للأداب عام 1982 وذلك تقديرا للقصص القصيرة والرويات التي كتبها.

ومن أشهر رواياته:





*مائة عام من العزلة 1967 :والتي بيع منها أكثر من 10 ملايين نسخة .





*خريف البطريرك، 1975.





*قصة موت معلن، عام 1981 .





*رائحة الجوافة عام 1982 .





*الحب في زمن الكوليرا، عام 1986 .


الأشباح ترقص أيضاً



تجمد الكلام على شفتيها فانهمرت الدموع من عينيها وهي تتطلع إلى قرص الشمس التي ارتدت حلتها الحمراء في أفق الغروب البعيد. إنها لا تريد للشمس ان تغرب عن عينيها ويحل محلها الظلام الذي يخيفها ويثير في أعماقها الكثير من التساؤلات المبهمة.
ولكي تطرد الخوف الذي اقتحم كيانها من كل جانب أوقدت
الشموع وارتدت ثوب عرسها ووضعت أعواد البخور حول مرآتها ورقصت على أنغام الموسيقى التي كانت تصل إليها من خلال النافذة.
قالت مع نفسها، لابد ان هذا العازف عاشقا ً متيما ً ويعاني الوحدة مثلي، وإلا لماذا بدأ يعزف لحنا ً حزينا ً يقطع نياط القلب، وكأنه يعزف على أوتار قلبي..


في آخر الليل، ذابت الشموع وتحولت أعواد البخور إلى رماد وسكتت الموسيقى واختفى وجه المرآة وبدأت الأشباح ترقص على الجدران!
صرخت بصوت ممزوج بالخوف والأسى. وقالت:
ـ كفى رقصا ً أيتها الأشباح اللعينة، كفى، كفى.
رد عليها احد الأشباح:
ـ نحن نرقص لكي نطرد عنك الخوف ووحشة الليل!
ـ ولماذا لم ترقصوا معي عندما كانت الشموع على قيد الحياة..؟
ـ لأننا لا نجيد الرقص على ضوء الشموع.

كانت هواجسها هي الأشباح نفسها وهي التي تحاورها عندما يخيم الظلام ويرقد الليل على فراشها ويحرمها لذّة الكرى ويسرق أحلامها ويضرم مشاعرها بالأحاسيس الغريبة ويتركها بين أنياب القلق، وهواجس المجهول.
ثم فكرت طويلا ً وقررت ان تشارك الأشباح في رقصهم بعد ان
اطمأنت لهم وعلمت ان الأشباح يرقصون لتسليتها وليس لإرهابها.



في الليلة الثانية، وبعد ساعة متأخرة من عمر الليل الطويل أطفأت الشموع وتهيأت للرقص كي ترى الأشباح وليس ظلها فحسب، فذهبت إلى صومعتها وراحت ترقص بجنون، رقصت معهم حتى أعياها الرقص. ثم جلست على الأرض وراحت تتطلع إلى الأشباح الذين لم يتعبهم الرقص حتى الفجر فصفقت لهم وقالت تخاطب نفسها: ما أجمل الرقص حتى لو كان مع الأشباح!




 بلقيس الدوسكي:
 كاتبة واكاديمية عراقية ـ ولدت في الموصل ـ العراق ـ أكملت
دراستها الأولية في كلية الإدارة والاقتصاد ـ بغداد.
ـ بكالوريوس فنون مسرحية ـ كلية الفنون الجميلة ـ بغداد.
 ـ ماجستير في الفنون المسرحية الكردية.
 ـ دكتوراه في الأدب والنقد المسرحي الكردي المعاصر.
ـ عضو في نقابة الصحفيين العراقيين
ـ عضو نقابة الفنانين بغداد وكردستان.
ـ عضو اتحاد المسرحين العراقيين.
 ـ عملت في الصحافة، وفي التلفاز، وقدمت مجموعة من البرامج الفنية والأدبية.
 ـ أدت سلسلة من الأغنيات باللغة الكردية.
 ـ لها مؤلفات منشورة في القصة والرواية والنقد المسرحي صدرت في أكثر من ثلاثين كتابا ً.
ـ توفيت عام 2013

Twitter Bird Gadget