ملخص رواية عنبر رقم 6



تدور أحداث هذه القصة في مستشفى للأمراض العقلية يطلق عليها اسم العنبر رقم 6... والمستشفى الذي تدور فيه الأحداث هو مستشفى ريفي، سيّء التنظيم وشديد القذارة.


في العنبر المذكور يعيش خمسة وعشرون مريضاً عقلياً عيشة تغلب عليها الفوضى، إذ لا يعتني بهم سوى حارس واحد يسمى "نيكيتا". يُقدّم إلينا منذ ظهوره الأول قاسياً وعنيفاً، لا يتورع في كل مرة عن ضرب مرضاه لكمات قوية لكي يدفعهم إلى الهدوء حينما يثورون أو تحل بواحد منهم نوبة عصبية.
وذات يوم، يحدث على سبيل الصدفة، أن يمر بالعنبر رقم 6، الدكتور "أندريه افيمفيتش"، وهو طبيب شاب يتولى مسؤولية المستشفى ويبدو زاهداً في كل شيء، وغير راض عن أوضاع أهل بلده، يشعر بمرارة كبيرة وإضافة إلى هذا الموقف العام من أحوال البلد ومسؤوليه. حين يمر بالعنبر رقم 6، يدهشه أن يلتقي بواحد من المرضى يسمى "إيفان" ليكتشف أنه مريض مختلف فهو ذكي واعٍ، ومطلع على أحوال العالم، حتى وإن كان يعاني من عقدة الاضطهاد.

وهكذا، بعد التعارف الأول وبعد أن يكتشف كل منهما الآخر،
ويصبحان صديقين... يصبح في وسع الطبيب منذ ذلك الحين أن يمضي أمسياته في المستشفى يتجاذب أطراف الحديث مع صديقه المريض، فيخوضان في مساجلات وحوارات متشعبة تطال أوضاعهما والأوضاع العامة في البلاد. 
 
ذات مرة يمر بهما مساعد الطبيب، ويفاجأ بهذا الحوار بين الطبيب والمجنون... ويستنتج من هذا أن رئيسه صار مجنوناً بدوره... إذ هل يمكن أن يتحدث إلى مجنون سوى مجنون مثله؟ وإذ ينقل المساعد هذا الخبر إلى الإدارة يكون موقفها مشابهاً لموقف المساعد، ما يجعل الطبيب الذي يجابَه بالأمر، يُقدم على الاستقالة من عمله، كنوع من خيبة الأمل...

ثم بعد أحداث عدة ومتنوعة، وبعد تصرفات من قبل الطبيب باتت تؤكد ظاهرياً على الأقل ما يذهب إليه مساعده والإدارة، ينتهي الأمر به إلى أن يودع الطبيب في العنبر رقم 6، كمريض هذه المرة... لا كطبيب.
ففي ذهنية هؤلاء المسؤولين الريفيين لا يمكن لشخص أن يتحدث بالعقل وبالحجة... وتحديداً مع مريض مجنون، إلا أن يكون فاقداً عقله بدوره.
وهكذا يتحول طبيبنا إلى مريض في نظر المدير ومساعديه لغاية في نفوسهم، ثم تكون له مجابهته الأولى مع الحارس القاسي "نيكيتا"، الذي كان الطبيب قد نهره وعارضه وعاقبه مراراً وتكراراً من قبل.

خلال هذه المجابهة، وإذ يبدي "أندريه" رغبته في الخروج من العنبر لاستنشاق بعض الهواء، يفاجئه الحارس بضربة قوية على رأسه تقتله من فوره بسبب داء قديم كان يعاني منه. تنتهي أحداث الرواية بموت الطبيب.

هذه الحبكة هي التي وظفها الكاتب بمعقولية عالية كاشفاً زيف الادعاء من قبل النفوس المرائية والغبية والبليدة التي تتحكم بمصائر الناس وبخاصة المثقفين والعلماء والمخلصين في العمل، حتى يؤدي بهم إلى الجنون، كما حدث لبطل قصتنا "أندريه" ومريضه المثقف"إيفان" محضر محكمة سابق.
ما زالت بعض أعمال تشيخوف تعرض على شاشات السينما الروسية، حيث عرض فيلمٌ للمخرج كارين شاهنزاروف عن روايةِ العنبر رقم 6. حافظ هذا الفيلم على موضوع القصة، ناقلاً الأحداث إلى زمننا المعاصر، كاشفاً عن تلك المأساة التي يعيشها الإنسان المثقف والنزيه في عالم من الانتهازية والزيف. فهو إذن يتطلع إلى ربط الواقع المعاش والجمال والقبح بالماضي وبالحاضر لذلك ظل أدبه شريان المفكر يعبر به نحو السرمدية.

يقول تشيخوف "أن شطراً كبيراً من سعادة الإنسان لا يكون إلا في خياله، نعم في الخيال. هذا قدر البشر، عليهم أن يؤمنوا حتى بما هو غير واقعي وغير موجود حتى يستشعروا لذة السعادة."



أنطون بافلوفيتش تشيخوف 1860
وُلد في تاغانروغ في روسيا، فهو طبيب وكاتب مسرحي ومؤلف قصصي روسي كبير. ينظر إليه على أنه من أفضل كتاب القصص القصيرة على مدى التاريخ، ومن كبار الأدباء الروس.
كتب المئات من القصص القصيرة التي اعتبر الكثير منها إبداعات فنية كلاسيكية، كما أن مسرحياته كان لها تأثيراً عظيماً على المسرح العالمي. سمح لنا من خلال قصصه وأعماله بالدخول إلى واقع قصير، لواقع بديل، لفترة قصيرة جداً، واستعاد لنا الواقع في قصصه بأسلوب راقي وسامي حيث تبدو علاقته الحميمة بالمناظر الطبيعية والعلاقات الإنسانية، فقد كانت علاقة محورية لم تنغمس في عالم المجتمع وفيض الشخصيات.
تعكس الصورة في قصصه برهافة الشكل وانغماس الحياة فيها بصورة قاتمة كئيبة، جعلت منه فناناً ملازماً لحياة البؤس والتعاسة، كما أن تصويره للشخصيات بأحاديثها وأحداثها جعلها كافية في طرح القصة.

من أشهر أعماله
- السيدة صاحبة الكلب
- عنبر رقم ٦



كتابة سهام جبريل وداليا العطا
نقلاً عن منصة مرداد 

 

حنتوش


اسمي صالحة... أنا من مدرسة "عرب الجهالين"، أعيش في خيمة صغيرة في وادي أبو هندي، عمري 14 سنة.
في النهار أدرس في مدرسة القصب، وقد صنعوها من القصب لأن الجنود أعلنوا أن أرضنا منطقة عسكرية مغلقة، حيث يتدربون على إطلاق النار في منطقة الزراعة.
يعيش معنا في الخيمة سبعون نعجة، وأقوم أنا بحلبها بعد أن أعود من المدرسة، وأصنع الجبن ثم أبيعه لأهل المدينة.

الطريق هنا وعرة لأن الجنود يمنعوننا من تعبيد الطريق، ويتدربون على إطلاق النار في الليل، وأنا أكره صوت الرصاص، أكاد أجن منه، فأهرب، نعم أهرب.

لا يوجد لدي دراجة هوائية، لأن الطريق وعرة، ولا سيارة عندي ولا طيارة، لكن عندي شيء أستخدمه للهروب. اقتربوا... اقتربوا، سأوشوشكم سراً، عندي خروف يطير اسمه "حنتوش"، لونه أسود وأذناه طويلتان، له جناحان سريّان يخبئهما داخل الصوف، ويخرجهما حين أهمس في أذنيه "يا حنتوش يا خروف أطلع جناحيك من تحت الصوف" أغني في أذنيه، فيما يبدأ الجنود بالتدرب على إطلاق الرصاص، وأركبه ويطير بي، والبارحة هربنا إلى برشلونة. سنقول لكم شيئاً، في وادي أبو هندي لا يوجد ملاعب أصلاً، لأن الأرض مزروعة بالألغام.
وفي برشلونة قابلنا "ميسي" صاحب الأهداف الكبيرة، لعبنا معه لساعات طويلة، خروفي "حنتوش" كان واقفاً حارساً للمرمى، وأنا أهاجم "ميسي" وفريقه، أدخلنا في مرماهم خمسة أهداف.
أراد "ميسي" أن يضمني أنا و"حنتوش" إلى فريق برشلونة لكننا رفضنا، نريد أن نعود إلى "أبو هندي" لأن الأغنام هناك تنتظرني فلا يذهب أحد غيري ليحلبها، فأبي في السجن منذ ست سنوات وبقي له تسع عشرة سنة. سأقول لكم سراً، أخبرني "ميسي" انه سيزور وادي أبو هندي بعد سنتين.

سنقيم مونديال 2018 في وادي أبو هندي، سننظف معاً الأرض من الألغام، وسنبني أكبر ملعب في العالم، وسنسميه "ملعب حنتوش"، وسيكون الخروف شعار المونديال.
وأهلاً وسهلاً بكم جميعاً في وادي أبو هندي، نحن جميعاً بانتظاركم. 
 
 



صالحة حمدين طفلة بدوية من فلسطين فازت بجائزة هانز كريستيان الدولية للقصة الخيالية من بين 1200 عمل من جميع أنحاء العالم عن قصتها "حنتوش".
القصة على بساطتها، تحكي قصة شعب مظلوم.




ملخص رواية قناع بلون السماء


أراد الكاتب من خلال هذه الرواية، تصحيح السردية الغربية والإسرائيلية عن الأحداث في فلسطين.

هي حكاية نور مهدي الشهدي - بطل الرواية- وهو باحث في علِم الآثار يعيش في مخيَّمٍ في رام الله. عثر صدفة في محلٍ للألبسة المستعملة على سترة قديمة في جيبها بطاقة هوية إسرائيلية قديمة، لشخصٍ يدعى "أورشابيرا ".

يقرر البطل نور ارتداء قناع المحتل، فيتقمص شخصية "أور"، وينضم إلى بعثة تنقيبِ عن الآثار في إحدى المستوطنات، فتتجلَّى له فلسطين المطمورة بكلِّ تاريخها. حيث يدعي العدو أن ركام المنازل التي هدموها يوم احتلوا فلسطين، هي آثار تعود لليهود! وكم من مساحاتٍ كانت مأهولة، حولوها إلى غابات، لكن التراب ما زال يحكي، عن سكانها الأصلاء، وعن جرائم العدو.


مارس نور لعبة الوقوف أمام المرآة، ليحاور من خلالها شخصية "أور" الإسرائيلي المحتل. أراد من خلال لعبته هذه أن يُدرك كيفية فصل الهويّة المزيّفة عن الحقيقيّة، فيقول "السرّ يكمن في المرآة. المرآة هي المعادلة، هي التفاصيل.. هي الكائنان أحدهما مُسيطر والآخر خاضع. أنت أور مسيطر، وأنا نور خاضع.. ولهذا يجب أن أحطّم المرآة".

هنا تحاول الهويّة المزيّفة فرض نفسها على الحقيقيّة بالقوّة والعنف. وفي خطاب ديني موجّه. كما يعمد الصهاينة للقيام به، منذ احتلالهم لفلسطين!

لكن فلسطين الممثَلة بشخص سماء إسماعيل الفلسطينية من حيفا، وهي من عرب الداخل وعضو في بعثة التنقيب عن الآثار، تشرق في روح "نور" لتقشع غيمة الخضوع والإذعان للمحتل، مهما علت التضحيات.
فسماء الأنثى الفلسطينية الأصيلة، الرافضة للخضوع للاحتلال، تواجه شخصية "أيالا شرعابي" الإسرائيلية الحاقدة والعضو في بعثة للتنقيب عن الآثار، ولا تتوانى عن التصريح علانية أمامها بكرهها للمحتل الصهيوني.
مما يلفت انتباه نور ويشجعه لكشف هويته الحقيقية لسماء، التي لا تصدقه بدايةً، لكن سير الأحداث يضعها أمام حقيقة ساطعة، نور فعلاً عربي فلسطيني، فتكون هي المنقذ له في نهاية الرواية، كدلالة على أن نور الفلسطيني انتصر على "أور شابيرا" الصهيوني، واختار فلسطين.

أما تسجيلاته لصديقه مراد، المعتقل منذ سنوات، فهي رسائل تخبر عن نور الفلسطيني، بكل أحلامه وآلامه وتطلعاته نحو المستقبل، فكأن مراد هو ضمير نور، الذي يحدّثه ويخبره عن حقيقة مشاعر الشاب الفلسطيني المتطلع للحرية والتحرر.






قناع بلون السماء هي رواية للكاتب والشاعر والأسير الفلسطيني باسم خندقجي صدرت عام 2023، عن دار الآداب في بيروت، حازت الرواية على الجائزة العالمية للرواية العربية- البوكر عام 2024.

(نقلاً عن ويكيبيديا)


باسم خندقجي 22 ديسمبر/ كانون الأول 1983
كاتب وأسير فلسطيني من مواليد 1983. درس في جامعة النجاح الوطنية في قسم الصحافة والإعلام. اعتُقِل من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2004، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.

له عدة روايات ودواوين شعر كتبها من داخل سجون الاحتلال وآخر رواياته "خسوف بدر الدين" الصادرة في كانون الأول/ ديسمبر 2018.

ترجمت بعض أعماله إلى اللغة الفرنسية. وحصل على الجائزة العالمية للرواية العربية- البوكر عام 2024 عن روايته قناع بلون السماء.

اعتُقِل في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2004 عندما كان في سنته الجامعية الأخيرة على يد قوات الاحتلال بعد عملية سوق الكرمل.

استطاع باسم أن يحوِّل غرفة سجنه إلى غرفة عمليات ثقافية يُدير منها كل مشاريعه الفكرية والأدبية من خلال نشر كتبه وإعداد حفلات التوقيع لها، والإشراف على "صندوق الأسير باسم خندقجي لدعم أدب الأسرى"، الذي أسّسه لدعم إبداعات الأسرى داخل السجون وحفظها، وقد تبنّاها شقيقه، وذلك من خلال "المكتبة الشعبية ناشرون" في نابلس.

(نقلاً عن ويكيبيديا)


من مؤلفاته

· رواية مسك الكفاية: سيرة سيدة الظلال الحرة صدرت في عام 2014 عن الدار العربية للعلوم ناشرون.

· رواية نرجس العزلة صدرت في عام 2017 عن المكتبة الشعبية، نابلس.

· رواية خسوف بدر الدين صدرت في عام 2018 عن دار الآداب.

· رواية قناع بلون السماء صدرت في عام 2023 عن دار الآداب.

إضافة إلى ديواني شعر، وعدد من الدراسات والمقالات.


ملخص رواية الحرب والسلام

خلال حفلٍ راقص في أحد القصور الروسية المرموقة، تنتشر أخبار رغبة نابليون في غزو الإمبراطورية. ينتشر الخوف بين الأوساط وهم خمس عائلات: آل بولكونسكي- آل بزوخوف- آل كوارجين- آل دروبيتسكوي- آل روستوف، وتدور بعدها العديد من الأحداث التاريخية التي حدثت في روسيا خلال الفترة الممتدة بين 1805 و 1813م. غزا جيش نابليون موسكو غير آبه بالبشر. ولكنه لم يستطع النصر على الصقيع والبرد.


مغزى الرواية
في رواية الحرب والسلام، ستكتشف العديد من المعاني الحياتية، من خلال شخصيات الرواية التي يفوق عددها 200.
نبدأ بفهم الحب كمشاعر طفولية نقية وصادقة، ثم يتحول إلى حب هائج قد يصل إلى حد التدمير. لكن "ناتاشا" بطلة الرواية، في النهاية ستقوم بإيصال هذا الحب إلى بر الأمان والطمأنينة.
ثم نبدأ في رحلة إلهية للبحث عن الله وحقيقة وجوده والتأمل في خلقه، حيث نشهد تطور الكونت الروسي بيير بيزوخوف، الابن غير الشرعي، من شاب غريب الأطوار إلى جندي يقاتل للدفاع عن وطنه، بأفضل طريقة.
وقد يتفق النقاد فيما بعد على أن شخصية الأمير أندريه هي في الحقيقة تمثل تولستوي نفسه ورؤيته ومعتقداته في الحياة.

قام تولستوي بسلب الحرية من شخصيات روايته، ليلفتنا إلى أن الحياة مجرد وقائع تحدث حولنا، ليس لدينا أي دور في صنعها. أما عندما أراد الكاتب تجسيد الخبث والمكر، جعل النبلاء الروس يتحدثون بالفرنسية لغة المحتل الذي يسعى للنهب. حتى أنه سخر من ذلك عندما قامت شخصية روسية في الرواية بتعلم لغتها الأم، ليظهر أن التظاهر قد يجعلنا نفقد هويتنا.


اقتباسات من رواية الحرب والسلام
* أقصى ما يمكننا فعله حقا هو أننا لا ندرك أي شيء، وهذا هو ذروة النضج الإنساني.
* الملوك هم عبيد التاريخ.
* الحياة لا تتوقف أبداً، وعلينا جميعاً أن نعيش.


تصف رواية الحرب والسلام الحياة والأحداث التاريخية بالطريقة التي حدثت في الواقع دون تغيير. وقد قام تولستوي بمزج الواقع بالخيال من خلال دمج شخصيات وأحداث حقيقية مع أخرى مستوحاة من خياله.
وصف تولستوي روايته قائلاً "إنها ليست مجرد رواية، بل هي قصيدة تاريخية تنقل الأحداث بتسلسلها الزمني. فرواية الحرب والسلام محاولتي في التعبير عما رأيته يحدث"




الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي 1828- 1910
من عمالقة الروائيين الروس، مصلح اجتماعي وداعية سلام ومفكر أخلاقي وعضو مؤثر في أسرة تولستوي. يعد من أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر والبعض يعده من أعظم الروائيين على الإطلاق.
أشهر أعماله روايتي الحرب والسلام وآنا كارنينا وهما روايتين تتربعان على قمة الأدب الواقعي، فهما صورة واقعية للحياة الروسية في تلك الحقبة الزمنية.
كفيلسوف أخلاقي اعتنق أفكار المقاومة السلمية النابذة للعنف وتبلور ذلك في كتاب "مملكة الرب داخلك" وهو العمل الذي أثر على مشاهير القرن العشرين مثل مهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ في جهادهما الذي اتسم بسياسة المقاومة السلمية النابذة للعنف.



الأب


لم يكن أبي يفعل شيئاً، فلماذا افتقدته إلى هذا الحدّ؟
عندما كنت صغيرة بدا لي أن الأب مثل مصباح الثلاجة، ففي كل بيت مصباح في الثلاجة لكن لا أحد يعرف تماماً ماذا يفعل حين ينغلق باب الثلاجة.


كان أبي يغادر البيت كل صباح وكان يبدو سعيداً "برؤيتنا ثانية" حين يعود مساءً. كان يفتح سدادة قارورة المخللات على المائدة حين يعجز الجميع عن فتحها. كان الوحيد في البيت الذي لا يخشى النزول بمفرده إلى القبو. كان يجرح وجهه وهو يحلق ذقنه، لكن أحداً لم يتقدّم ليقبله أو يهتم بما حصل له. حين يمرض أحدنا نحن الأولاد كان هو من يذهب للصيدلية لإحضار الدواء.
كان دائماً مشغولاً، كان يقطع أغصان الورد في الممر لباب المنزل ویعاني من وخزات الأشواك ليومين. وهو الذي كان (يُزيت) عجلات مزلاجي كي تجري على نحو أسرع. وحين حصلت على دراجتي الهوائية كان هو الذي يركض إلى جانبي، وقطع ألف كيلومتر على الأقل قبل أن أسيطر عليها وحدي وأتعلم القيادة.
هو الذي كان يوقع بيانات علاماتي المدرسية. وقد أخذ لي صوراً لا تحصى من دون أن يظهر في واحدة منها. وهو الذي كان يشد لأمي حبال الغسيل المرتخية. وكنت أخاف من آباء كل الأولاد، إلا أبي لا أخاف منه.

أعددت له الشاي ذات مرة وكان عبارة عن ماء فيه سكر دون شاي، ومع ذلك جلس في المقعد الصغير وأخبرني أنه كان لذيذاً، وبدا مرتاحاً جداً.

عندما كنت ألهو بلعبة البيت كنت أعطي الدمية الأم مهمات كثيرة، ولم أكن أعرف ماذا أوكل من الأعمال للدمية الأب، لذلك كنت أجعله يقول: إنني ذاهب للعمل الآن، ثم أقذف به تحت السرير!

وذات صباح، عندما كنت في التاسعة من عمري لم ينهض أبي ليذهب إلى العمل، ذهب إلى المستشفى ووافته المنية في اليوم التالي.
ذهبت إلى حجرتي وتلمست تحت السرير بحثاً عن الدمية الأب، وحين وجدته نفضت عنه الغبار ووضعته على الفراش.


لم أكن أتصور أن ذهابه سيؤلمني إلى هذا الحد، لكن ذهابه لا يزال يؤلمني جداً حتى الآن وافتقده.






إيرما بومبيك- أميركا

21 فبراير 1927- 22 أبريل 1996

‏ روائية أمريكية حققت شعبية واسعة بسبب صحيفتها التي تسمى (العمود) والتي تصف حياة منازل سكان الضاحية من منتصف الستينات حتى أواخر التسعينات، كما نشرت بومبيك خمسة عشر كتاباً معظمها حقق نسبة الأكثر مبيعاً.
كتبت أكثر من 400 مقالة في صحف متفرقة وذلك بين عام 1965 حتى عام 1966 وذلك باستخدام حس الفكاهة بكثرة وأحياناً أسلوب البلاغة.
تدون إيرما حياة ربة المنزل العادية التي تسكن الضواحي في الغرب الأوسط. وفي السبعينيات، كان ثلاثون مليون قارئ من تسعمائة صحيفة يقرئون مقالاتها مرتين أسبوعياً في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.


  

بنت اسمها سامية



كانت في العاشرة، وكان لها "فستان" أصفر كثير التردد على حبل الغسيل... وجديلتان طويلتان كنا نشدها منهما وقت الشجار... وعين تغمضها إذا مرت طائرة، وأخطاء فاحشة في دفتر الإملاء، ودمعة على أهبة الانذراف إذا لامتها المعلمة.


كانت جميلة، أجمل بنات الحارة، ولو أتيح لها أن تستحم، بواقع مرتين في الأسبوع، لكانت أجمل بنات الدنيا قاطبة.
ولكنها كانت قوية، لها أظافر مدببة، وحنجرة مفتوحة، دوماً، للزعيق، وموهبة متميزة في إصابة الهدف بحجر. كنا نسميها "حسن صبي"، كنا أذناباً لها، كنا لا نتعدى على "الحواكير" إلا إذا أمرتنا بذلك. والأهم من ذلك كله، كنا نحبها.

على ذكر الحب، فها أنا أعترف، بعد كل هذه السنوات، أنني أحببتُ "سامية"- من قال أن الأطفال لا يقعون في الحب؟ قسماً أنني أحببتها كما لو كنتُ رجلاً على مشارف الثلاثين.

"سامية... يا سامية"... يا ملعونة، ربما فاتني أن أعترف لكِ، بحكم انشغالي بالطفولة، إنني كنت أغار عليكِ، كنتُ أتضور قهراً حين اصطلي بإهمالكِ لي، كنت أبكي إذا اغتابك غلام لا أقدر عليه (ملاحظة للزملاء الكتاب والسادة النقاد الأشاوس: قد تأخذون عليَّ الإكثار من استعمال كلمة "كنت" ومشتقاتها، وعلشان اختصر عليكو الطريق، أقول مقصودة).



... ثم اختفت "سامية"، غابت. صحونا ذات يوم وإذا بـ "عفشهم" محمول في سيارة ذات سائق ضخم. وفي الحال، جلستُ أنا على حجر، وقررتُ أن أبكي إلى أبد الآبدين!
ربما تذكرتها مرة، أو مرتين، أو ثلاث، أو مليون مرة، وربما سألتُ عنها مرة، أو مرتين، أو مليون مرة. وربما قلبي تفلطح من شدة الخفق، كلما رأيتُ طفلة تشبهها!


وبالأمس فقط، رأيتُ "سامية". إنها "سامية". إنها هي! أنا أعرفها،
فـ "الشامة" ما تزال على مقدمة الأنف، والـ "غماز" ما يزال في الذقن. ولكن... ما الذي غيرها هكذا؟ من أين جاءت بكل هذا الترهل؟ إنها حامل، وثمة زوبعة من الأطفال، من مختلف الأعمار والأحجام، بمعيتها... إنها تساوم بائع الخضار، وأطفالها الصغار متعربشون بقوامها الذي أحناه الفقر. إنها فقيرة ولولا ذلك لما وقفت تساوم بائع الخضار من أجل قرش!


أيتها الأرض... انشقي وأبلعيني!!!
"سامية" كانت تطمح أن تصبح طبيبة!!!




محمد طملية
كاتب وصحفي من الأردن (1957 - 2008)

يُعد من الكتاب الأردنيين الأكثر شهرة محلياً وعربياً لما يتميز به من سخرية لاذعة وفهم سياسي لما يدور محلياً ودولياً. بدأ مشواره الصحفي مع جريدة الدستور عام 1983، وكان كاتباً لعمود يومي في عدة صحف أردنية أخرى، كما كان عضواً في الهيئة الإدارية لرابطة الكتّاب الأردنيين، وفي إتحاد الأدباء والكتّاب العرب.
وهو أول من كتب مقالاً ساخراً في الأردن . وقد استطاع أن يوجد لنفسه أسلوباً فريداً، فجمع بين الأسلوب الصحفي والأدبي في الكتابة.


من مؤلفاته

* جولة العرق (قصص) عمان: مطبعة التوفيق، 1980.

* الخيبة (قصص) عمان: مطبعة التوفيق، 1981.

* ملاحظات حول قضية أساسية (قصص) الزرقاء: مطبعة الزرقاء

 الحديثة، 1981.

* المتحمسون الأوغاد (قصص) عمان: رابطة الكتاب الأردنيين،

 1986.

* يحدث لي دون سائر الناس. كتاب مشترك مع رسام الكاركاتير

 حجاج، منشورات شركة أبو محجوب، عمان، 2004.