أوغو

 
"أوغو" لصّ يسرق نهاية كلّ أسبوع فقطّ، يتسلّل كل ليلة سبت إلى أحد المنازل.

فضبطته "آنا" الثّلاثينية الجميلة الدّائمة السّهر، متلبّساً بجريمته.
بعد أن هدّدها بالمسدّس سلّمته حليِّها وأشياءها الثّمينة، راجيّة منه ألاّ يقترب من طفلتها "باولي" ذات الثّلاث سنوات.
مع ذلك فقد لمحته الطفلة التي أسرتها بعض حيله السّحرية.

فكّر أوغو "لماذا عليّ أن أرحل باكراً، ما دام الوضع جيّداً هنا؟".
فبإمكانه البقاء طيلة نهاية الأسبوع والاستمتاع كليّاً بالأجواء، إذ أنّ الزّوج لن يعود من سفره إلاّ مساء الأحد- يعلم بالأمر بعد أن تجسّس عليهم- لم يفكّر اللّص طويلاً فارتدى ملابس ربّ البيت وطلب من "آنا" أن تطبخ له وتجلب النّبيذ من القبو وتضع شريط الموسيقى أثناء تناولهم العشاء، فبالنّسبة له لا حياة دون موسيقى.

كانت "آنا" منشغلة البال بطفلتها "باولي" وبينما كانت تحضّر وجبة العشاء خطرت لها فكرة للتّخلص من هذا الشّخص. لكن ليس باستطاعتها فعل الكثير فأُوغو كان قد قطع أسلاك الهاتف، والمنزل منعزل وكان الوقت ليلاً ولا أحد سيأتي. فقررت "آنا" أن تضع قرصاً منوّماً في قدح "أوغو".

أثناء تناول العشاء اكتشف اللّص، الذي كان يعمل باقي أيّام الأسبوع كحارس لأحد البنوك، أنّ "آنا" هي مقدّمة برنامج الموسيقى الشّعبية الذي يستمع إليه كلّ ليلة وبدون انقطاع. فهو من المعجبين بها أيّما إعجاب، وبينما كانا يُنصتان إلى العملاق "بيني"* يُغنّي أغنيةCómo fue تحدّثا عن شؤون الموسيقى والموسيقيّين.
ندمت "آنا" على تنويمه، بما أنّه يتصرّف بهدوء وليس في نيّته أذيّتها أو التهجّم عليها. لكن فات الأوان فالمنوّم في القدح واللّص قد تجرّعه كاملاً وهو في قمّة السّعادة. مع ذلك، وقع خطأ ما، فمن شرب من القدح التي بها المنوّم كانت هي، وعلى إثرها استسلمت للنّوم بسرعة.

في اليوم الموالي استيقظت "آنا" وهي بكامل لباسها وعليها لحاف يدثّرها بشكل جيّد في غرفتها.


في الحديقة كان "أوغو" و"باولي" يلعبان بعد أن أتمّا تحضير الإفطار. اندهشت "آنا" من منظرهما وهما في قمّة الوئام، كما بهرتها طريقة هذا اللّص في الطّبخ، كان جذّاباً بما يكفي. فبدأت "آنا" تشعر بسعادة غير عاديّة.

في تلك اللّحظات قدِمت إحدى صديقاتها تدعوها لتناول الغذاء معاً، فتوتّر "أوغو" لكنّ "آنا" رفضت الدّعوة متعلّلة بمرض الطفلة فودّعت صديقتها على الفور.
وهكذا بقي الثّلاثة في المنزل مجتمعين للاستمتاع بعطلة يوم الأحد. كان "أوغو" يترنّم مطلقاً صفيراً وهو يصلح النّوافذ وأسلاك الهاتف التي عطّلها في اللّيلة الماضيّة. انتبهت "آنا" إلى أنّه يتقن رقصة "الدّانثون"، رقصتها المفضّلة لكنّها لم تستطع ممارستها مع أيّ شخص. فاقترح عليها أن يرقصا معاً هذه الرّقصة، فالتحما وشرعا في الرقص إلى أن حلّ المساء.
كانت "باولي" تراقبهما وتصفّق إلى أن نامت في آخر المطاف. بعد أن نال التّعب من الرّاقِصَيْن استلقيا على إحدى الأرائك في البهو. في تلك الأثناء، لم يجدا ما يقولانه، وقد نسيا أن ساعة قدوم الزّوج قد حانت.
فأعاد لها "أوغو" المسروقات رغم إصرارها على عدم استردادها وأعطاها بعض النّصائح حتى لا يتمكن اللّصوص من التّسلل إلى منزلها. وودّع المرأة وابنتها وهو حزين. 

كانت "آنا" تنظر إليه وهو يبتعد، فنادته بأعلى صوتها قبل أن يتوارى عن ناظريها، ولدى عودته أخبرته أن زوجها سيعاود السفر مجدّداً نهاية الأسبوع القادم. فعاد أدراجه سعيداً وهو يرقص مجتازاً شوارع الحيّ بينما بدأ الظّلام يرخي سُدوله.





* بِيني موري هو اسم الشهرة للمغني والملحن الكوبي ماكسيمليانو موري غوتيرِّيس 1963- 1919


هذه أول قصة قصيرة لغابرييل غارسيا ماركيز فاز عنها بأول جوائزه الأدبية. 

غابرييل غارثيا ماركيث 1927- 2014
روائي وصحفي وناشط سياسي كولومبي. وُلد في أراكاتاكا، ماجدالينا في كولومبيا. عاش معظم حياته في المكسيك وأوروبا.


من أشهر أعماله الروائية

- الحب في زمن الكوليرا حوِلت إلى فيلم سينمائي.

- خريف البطريرك

- مائة عامٍ من العزلة

سيناريوهات الأفلام السينمائية

- الاختطاف (1982)

- إيرينديرا البريئة (1983)


ترجمة توفيق البوركي

 

الثـــــــأر

بعد مراسم الدفن، جمعت المرأة أبناءها الخمسة حولها، كما لو أنها تحاول وإياهم عمل المستحيل لإعادة استحضار زوجها جواوو فلورو الذي اغتيل أول أمس.
بيد أن هذه المواساة الحزينة لم تقوِّ سوى يقينها بأنها أصبحت وبمعية أبنائها الخمسة بلا أب. وأجهشت باكية.
من الخارج أتى نداء:
ـ هل من أحد هنا؟
ردت باكية:
ـ من هناك؟
ـ شخص يريد لكم الخير.
مسحت عينيها بأسفل التنورة التي تنزل إلى ما تحت الركبتين، وذهبت لتعرف من يكون ذاك الشخص. رجل ذو قامة فارعة، ولحية بيضاء، يقف قرب فجوة أحدثها الباب الذي لم يكن مغلقاً.
كان ذاك الشخص هو الكولونيل أورينسيو. جاء شخصياً ليقدم لها دعم العدالة، وكذلك ليعلن لها أنه لن يدخر جهداً داخل البلد، واعداً إياها أن ينفذ مهمته "الذي يقتل يجب أن يموت".
لا... المرأة لا تريد انتقاماً. يكفي ما سال من دماء. لقد فوضت أمرها لله.
ـ لكن، باسم الرب أتيت إلى هنا- قال الرجل- المجرم في الأسر، وعليه الآن أن يؤدي من حياته ثمن قتله المرحوم جواوو فلورو، صاحب الروح الطاهرة، والذي مات بريئاً!
ـ لست سوى أرملة بائسة- أنّت المرأة- لدي خمسة أطفال هم في حاجة إلى رعاية. أعرف كولونيل أورينسيو مدى ما لديك من نفوذ وقوة. لكن وأرجوك ألا تعتبر طلبي إساءة إليك، ليس استعمال هذا النفوذ هو الذي سيساعد أطفالي. ليس الثأر هو الذي سيمكنني من إعالتهم.
ـ ليس هناك علاقة بين الاثنين- قال الكولونيل- أطفال الراحل جواوو فلورو لن يموتوا جوعاً، بفضل الرب، على الأقل ما دمت على قيد الحياة. لكن القرار اتخذ، سيُثأر لجواوو فلورو، لأن ذلك هو الذي يجب أن يحدث. عندي سلفاً الشخص الذي سيقوم بهذه المهمة.
ورفع يده مودعاً:
- ليرعاك الرب، سيدتي إيرنيستينا.

ثم فرقع أصابعه مثيراً انتباه كلب ضخم أشهب تبعه حالاً وفي صمت، ابتعد على الطريق الذي يحاذي الحاجز، وتوارى خلف أجمة أشجار ذات أغصان مشذبة .

كان جواوو فلورو بريئاً. لم تكن له علاقة بسرقة الأبقار. يا للرجل التعس! أي رغبة تلك التي دفعته ذلك اليوم ليذهب إلى المدينة.
فكرة واحدة كانت تشغل بورسينو، مالك الأبقار، ويدافع عنها ألا وهي أن الحق إلى جانبه. كان يريد أن ترد إليه بهيمته، هذا كل ما في الأمر، كانت بقرة جيدة، وكانت تحمل علامة. وحتى لو لم تكن كذلك، فإنها كانت تعتبر واحدة من قطيعه، هذا كل شيء... لكل واحد ما كسب.
انطلق الجدال في السوق. ارتفعت درجة حرارة بورسينو ، فدفع جواوو فلورو، ثم وقد فقد كل سيطرة على نفسه، ومدفوعاً برغبة في سفك الدماء والقتل... انتهى به المطاف إلى أن يطعنه بخنجره في بطنه لمرات ثلاث، من تحت إلى فوق وبكل ما أوتي من قوة.
سقط جواوو فلورو على الأرض. لكنه تلقى طعنة رابعة، وهذه كانت في القلب، لتصفيه تصفية نهائية.

" إنسان جبان و دنيء"... قال الكولونيل أورينسيو في داخله، بينما هو يسير، مسترجعاً ما نقله إليه شاهدان كانا حاضرين لحظة الحادث "القروي بيدرو بولينو وابنه، شخصان يُشهد لهما بالاستقامة، وهما محل ثقة، ويستحيل أن يكذبا. وهما اللذان حضرا وقائع الحادثة كلها، وكان أن ثارت ثائرتهما.
وبورسينو؟ هل بقي هناك، ذاك النذل؟ هل فر هارباً؟
فر إلى مركز البوليس، وهناك سلم نفسه للعدالة. لم يكن له خيار ثان. السجن كان المكان الوحيد الذي يضمن الأمان لحياته، ذلك لأنه يعرف الآن، والرب وحده يعرف كيف نسي في سورة غضبه، أن جواوو فلورو يتمتع بحماية الكولونيل أورينسيو.


عاد الكولونيل أورينسيو إلى بيته واستدعى الرجل الذي اختاره للمهمة:
ـ حاول العثور على وسيلة ليُقبض عليك. وحين تصير في

السجن، وفي اللحظة المناسبة، تخلص من بورسينو، لكن افعل بسرعة. لقد قتل جواوو فلورو دون سبب، وعليه أن يؤدي ثمن ما تسبب فيه من أّذى. الذي يقتل يجب أن يموت. بعد ذلك سأعمل على إخراجك من السجن. أم أن لديك شك في ما لدي من نفوذ!؟

بيزيكا، هكذا يلقب الرجل المكلف بالمهمة، ملون، ذو أنف شامخ، لم يكن لديه شك في ذلك. من يكن تحت حماية الكولونيل أورينسيو لا يظل في السجن ولو بسبب قتل. يكفي أن يمثل أمام المحكمة، ثم يطلق سراحه بعد ذلك. كان الكولونيل أورينسيو ذا نفوذ كبير، وحين يقدم وعداً، فلا بد أن يفي به .
ـ عندما تصبح حراً، سأسلمك النصف الآخر، تابع الكولونيل. والآن يمكنك أن تنصرف. اذهب، واعمل على أن تجد وسيلة ليُقبض عليك.
طبعاً، عليه أن يجد طريقة ليُقبض عليه، لأنه إذا لم يودع السجن، فلن يتمكن من الدخول، وإذا لم يتمكن من الدخول، فلن يتمكن من الاقتراب من بورسينو والقضاء عليه.


اختلق فوضى في ملهى للقمار. لكن ولا أحد استدعى البوليس للقبض عليه. فقط تصايحوا:
ـ أخرجوه من هنا !
و بعدها مباشرة، أخذوا بيزيكا من رقبته ورموا به إلى الخارج، مغلقين خلفه الباب. خبط على الباب، مهدداً بتحطيمه. وفي النهاية توقف عن الاستفزاز. أولئك الذين كانوا يلعبون في الداخل لم يحركوا ساكناً.
الوحيد الذي تحرك، كان هو بيزيكا، الذي توجه إلى بار. طلب قنينة "كشاسا"، معلنا أنه لن يؤدي ثمنها، مصمما على أن يصل إلى هدفه: إحداث الفوضى، ودخول السجن. لكنهم أحضروا له الشراب، لأن رجلاً انبثق من حيث لا يدري قائلاً بهدوء، وبنبرة ودية:
- حسنا، أنا الذي أؤدي الثمن.
وبالإضافة إلى القنينة الأولى، قنينة أخرى، واثنتين أخريين، الأخيرة سعتها لتراً بالتمام والكمال.
وفي خضم " الكشاسا"، لم تحدث المشاحنة التي كان على بيزيكا أن يحدثها، تحولت إلى صداقة. حتى أن جندياً من الكتيبة كان يتواجد في عين المكان انضم إليهما، وشاركهما الشراب.

أغلق البار أبوابه، والعديد من السكارى توزعوا عبر الدروب. وفي أول ركن من الزقاق، وبينما كان بيزيكا يتلفظ بكلمات نابية، تذكر فجأة أمر الكولونيل أورينسيو.
"حاول أن تجد وسيلة للقبض عليك".
بداية، ولحظة التذكر، خيل إليه أنه يسمع صوتاً قادماً من بعيد، لكن مباشرة بعد ذلك، خيل إليه أن هناك من يصرخ قرب أذنه.
لم يضيع وقتاً.
لمح عاهرة على الجانب الآخر من الزقاق، أسفل عامود نور. اقترب منها، كما لو أنه يريد منها شيئاً آخر، وطعنها بسكين طعنتين ـ الواحدة تلو الأخرى. في هذه المرة، كان يجب القبض عليه.
أطلقت الفتاة صرخة مرعبة وسقطت مترنحة على الرصيف. كان أشخاص قد تجمعوا، أقبل جنديان وقادا بيزيكا إلى السجن.
صرح أثناء الاستنطاق:

- أردت فقط أن أخدش ذراعها بسكيني. لكنها تحركت خطأ فأصابها النصل إصابة بليغة حد الإدماء. ـ تحركت خطأ، هه؟ قال وكيل الأمن. حسناً، لتعلم أنك قتلت الفتاة. إنها الجريمة الأكثر دناءة التي لم نشهد مثلها أبداً هنا.
ووضع السكين في الدرج كي يقدمه يوم المحاكمة.

أودع بيزيكا السجن، أخيراً سيجد بورسينو. أسبوعان بعد ذلك، وذات ليلة، وبينما كان بورسينو يغط في نوم هادئ، جذب منه بيزيكا حزامه وطوق به عنقه، ثم شنقه.
أطلق بورسينو أنة مختنقة، لكنها كانت من القوة ما جعل بقية السجناء يستيقظون. كانوا أربعة، وغضباً مما رأوه، دفعوا بيزيكا إلى ركن الجدار وبواسطة ملاءة، شنقوه بدوره.

في الصباح الباكر، عثر حارس السجن على الميتين.
ولا تزال التحريات جارية.

الكولونيل أورانسيو، عندما علم بما حدث، قال للذي حمل له الخبر:
ـ لقد نال النهاية التي يستحقها. ـ من؟ سأل الرجل. بورسينو أم بيزيكا؟
رفع الكولونيل عينيه إلى السماء، وأجاب بهدوء، بعد أن صنع بأصابعه في الهواء إشارة صليبه:
ـ الاثنان... كل واحد منهما يشبه الآخر.


إيربيرتو ساليس
مواليد باهيا/البرتغال عام 1917.
صحفي- ناشر- روائي وقصصي. تحصّل على الكثير من الجوائز الأدبية. عضو الأكاديمية البرازيلية للآداب.

من أعماله:
- حكايات عادية 1966
- رواية أوجه الزمن. صدرت بالفرنسية سنة 1991.

للأسف لا يوجد على الشبكة العنكبوتية أي معلومات إضافية عن الكاتب.

نقلها إلى اللغة العربية: عبد الحميد الغرباوي


 

حجر السعادة


كمال توما صبي يهرب بعد غرق أخيه الأصغر في نهر دجلة، خوفاً من بطش أبيه.
فهذا الأخير كان سكيراً، تزوج امرأة أخرى بعد وفاة أم كمال، فكانت هذه الزوجة تمارس أقسى شرور نفسها على كمال الذي لم يجد ملاذاً من قسوة أبيه وزوجة أبيه إلا في حضن شقيقته جانيت.
أنجبت هذه الزوجة طفلاً- ريمون- كانت تؤثره على الطفل كمال، مما سبب له تعاسة دائمة، لكنه لم يكره أخاه، بل بالعكس كان يحبه ويحرص عليه أشد الحرص.

أما الغرق فلم يكن كمال مسؤولاً عنها، وفي التفاصيل أن مجموع من الأولاد الأشرار كانوا يعتدون دائماً على كمال، مستغلين جبنه وقلة حيلته.
يوم غرق أخيه، كان هذا الأخير قد تعلق بقدم كمال كي يأخذه إلى النهر، وهناك هجم عليه الأولاد وأبرحوه ضرباً، وعندما حاول المسكين ريمون أن يدافع عن كمال، ركله أحد الصبية فألقاه في النهر!

لم يُعثر على جثة الطفل، فاضطر كمال أن يهرب من بطش أبيه.
فاختبئ في بستان الجن وهو بستان لا يدخله أحد بسبب حكايات الأهالي عن أن الجن يسكن فيه، لكن كمال وولد آخر كانا يدخلانه خلسة، في جوف ذلك البستان عثر كمال على حجر صغير، التقطه قبل أن حضر صديقه ويطلب منه أن يهرب، فقد سمع والد كمال يُقسم أن يذبحه.

في بغداد يعيش أقسى أيامه في التشرد، التعرض للجوع والبرد، لكنه يكتشف ضالته في ذلك الحجر العجيب الذي يعينه على الاستمرار، وذلك بأن يضع الحجر في فمه كلما أراد أن يزيل خوفه وغضبه.
أثناء تشرده بين الأزقة، يتعرف على مصور محترف، هو الذي سيضعه في موعد مع قدره، كإنسان وكمصور.

يصبح كمال مصوراً جوالاً يحمل الكاميرا ويجوب الأسواق والأزقة مؤرخاً حياة الناس والمدينة.

أسكنه المعلم خليل في غرفة تتبع الأستديو، استصدر له هوية، وعلمه المهنة، وبعد وفاته أورثه كل ما يملك.

ولم يكن له صديق أو أنيس إلا العم خليل، حين خذلته حبيبته نادية وتزوجت وغادرت البلاد.

مع مضي السنين ومرور البلاد في منعطفات حادة، تحتل الميليشيات الحي الذي يسكن فيه كمال، لتنقلب حياته رأساً على عقب بعدما يداهم الخوف سلامه الشخصي الذي حاول دوماً الحفاظ عليه.

يتعرض إلى محاولة قتل، بسبب تصويره رجال الميلشيات أثناء المظاهرات وهم يخطفون صبية اسمها حنين، سبق أن التقط لها صورة.
لكنه ينجو ويرمي الحجر في النهر ثم يقرر الانتقام!

... وبسبب حبيبته نادية التي عادت إلى الوطن وإليه، والتي ناضلت من أجل استعادة معرض والدها للصور، يتأخر عن موعد اللحاق بغريمه قبل أن يغادر الوطن.

يرمز حجر السعادة الأزرق المضمن في الرواية إلى التميمة التي
حاول البطل الضعيف كمال توما الاستعانة بها كي يحقق سعادته، فكان هذا الحجر "اللعنة" تجسيداُ لثقافة الخمول والسكون والطمأنينة، ومانعاً إياه من الثورة على العادات والتقاليد والخروج من كهف الخضوع والانطلاق نحو الحرية.




أزهر جرجيس
كاتب وروائي عراقي من مواليد بغداد، العراق، عام 1973، عمل صحفياً في العراق منذ العام 2003 ونشر العديد من المقالات والقصص في الصحف والدوريّات المحلية والعربية.

ألف أزهر جرجيس كتاباً ساخراً عن الميليشيات الإرهابية في العراق، عام 2005، بعنوان "الإرهاب.. الجحيم الدنيوي" وتعرّض بسببه إلى محاولة اغتيال اضطر على إثرها للهرب خارج البلاد، هاجر إلى سوريا ثم الدار البيضاء قبل أن يصل إلى منفاه الأخير في مملكة النرويج ويقيم فيها بشكل دائم.

يعمل في الوقت الحالي محرّراً أدبياً ومترجماً بين اللغتين العربية والنرويجية.



من مؤلفات أزهر جرجيس مجموعتان قصصيتان:

- فوق بلاد السواد 2015

- صانع الحلوى 2017

روايته الأولى "النوم في حقل الكرز" (2019) التي ترشحت إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية في 2020.

"حجر السعادة" (2022) هي روايته الثانية.


نالت جائزة البوكر العالمية للرواية العربية، في دورتها لعام 2023.

تدور أحداث رواية "حجر السعادة" بين مدينتَي الموصل وبغداد خلال الفترة الزمنية 1962 ـ 2018.

عداء الطائرة الورقية

 
تدور أحداث الرواية حول قصة صداقة معقدة بين طفلين من كابول: أمير، ابن عائلة غنية، وحسن، ابن الخادم علي.


تبدأ القصة في السبعينات في أفغانستان، حيث يعيش أمير وحسن طفولتهما معًا. حسن هو ابن هازارا، وهو أقل شأناً في المجتمع، بينما أمير ينتمي إلى الطبقة العليا.
يشارك أمير في مسابقة الطائرات الورقية، حيث يسعى لتحقيق انتصار يُرضي والده. ويقوم حسن بمساعدته في هذه المسابقة، ويفوز أمير بها.

وجرياً على العادات في هذا النوع من المباريات، لاحق حسن الطائرة الأخيرة التي أسقطها أمير مما عرضه لاعتداء عنيف من قبل آصف وهو ولد من أسرة غنية مدلل وفاسد، يؤلف عصابة مع أصدقاء له، فكانت فعلته الشنيعة أنه قام باغتصاب حسن.
يشهد أمير الحادث من بعيد، ولكنه يتجاهله، بسبب جبنه المعتاد في مواجهة أي خطر.

ولأن الجبان يشعر بالعار، فقد قرر أن يبعد حسن عن القصر، يحبك مؤامرة على صديقه حسن، ويتهمه بالسرقة!
يقرر والد حسن أن يرحل وابنه من القصر، مما يسبب حزناً عارماً لوالد أمير، فعلي هو صديق عمره وقد نشآ معاً. لكن الأخير يصر على موقفه، رغم كل توسلات والد أمير.
بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان، يهاجر أمير ووالده إلى الولايات المتحدة.

تمر السنوات، يتزوج أمير ويصبح كاتباً شهيراً، ثم يتوفى والده.
تصله رسالة من كابول تدعوه للعودة سريعاً. والرسالة كانت من صديق والده ويبدو أنه كان دائماً على علم بالمؤامرة التي حبكها أمير في طفولته، ضد حسن صديق الطفولة.
يقرر الاستجابة لدعوة صديق والده، بسبب عقدة الذنب التي يحملها ناحية حسن.
هناك يكتشف أن حسن قد قُتل وأن له ابناً يعيش في ظروف صعبة. يقرر أمير إنقاذ هذا الطفل.

أما المفاجأة الصاعقة التي يخبره بها العجوز صاحب الدعوة، هو أن حسن كان أخوه من ناحية الوالد، فوالد أمير صاحب القصر كان قد أقام علاقة غير شرعية ب "صنوبر" زوجة خادمه وصديقه علي.
أمر يقلب كيان أمير، وتعصف في رأسه آلاف الأسئلة حول علاقة والده الشائكة بخادمه علي، وكيف كان هذا الأب يحمل حباً وحناناً لحسن كحبه لأمير وحنانه.

يبدأ رحلة البحث عن الطفل، ليكتشف أن غريمه وغريم حسن أيام الطفولة، آصف قد أصبح أمير من أمراء طالبان، وهو من قام بأخذ الصبي، وقد حوله إلى عبد!
رحلة بحثٍ كشفت لأمير، كل الأهوال والمصائب التي كان يتعرض لها هؤلاء الأطفال المستعبدون، فهم عرضة للاغتصاب والبيع كرقيق وللعمل في الدعارة.

كل هذا جعل أمير يخوض المستحيل من أجل إنقاذ ابن حسن، سعياً لتصحيح أخطائه الماضية، ولعله يكفر عن ذنبه مع حسن.
حسن الذي ترك له رسالة قبل مقتله هو وزوجته، وقد اكتشف أمير أن حسن لم يكن حاقداً عليه، بل كان مسامحاً ومحباً وقد أخبر طفله عن علاقتهما وصداقتهما الطفولية الجميلة.

يصل أمير إلى الطفل، وفي مشهد مدهش، وببراعة حبك الأحداث، يتمكن الطفل من الدفاع عن أمير. يواجه آصف، ويقوم بالعمل الذي لطالما هدد به حسن، أن يقتلع عين آصف... وهكذا أنقذ الطفل عمه أمير، لامتلاكه مهارة والده في استخدام المقلاع.

وتنتهي الرواية بأن يقرر أمير ضم ابن حسن إليه في أميركا ليعيش معه ومع زوجته، فأمير وزوجته كانا قد يئسا من الإنجاب.



خالد حسيني
كاتب وطبيب أفغاني أميركي.
ولد في 4 مارس 1965 في كابل أفغانستان.
درس حسيني الطب في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو وحصل على شهادة البورد الأمريكي في طب الأطفال. لكنه شغف بالكتابة، فمارس الإثنين معاً.
تصدرت روايته الأولى "عداء الطائرة الورقية" (صدرت في عام 2003) قائمة الكتب الأكثر مبيعاً لمدة 4 أسابيع.
وقد تم تحويلها إلى فيلم سينمائي يحمل نفس الاسم وعرض في ديسمبر 2007.
رواية مؤثرة تجمع بين العاطفة والتاريخ، وتعرض قصة مؤلمة وملهمة في آن واحد.
إذ يأخذنا الكاتب إلى عوالم مختلفة داخل النفس البشرية، وتظهر لنا قوة الإنسان في مواجهة التحديات والشفاء من الجروح.

أما روايته الثانية "ألف شمس ساطعة" فقد تصدرت قائمة صحيفة نيويورك لأكثر الكتب مبيعاً لمدة 21 أسبوع.
وصلت مبيعات كلتا الروايتين إلى 38 مليون نسخة على الصعيد الدولي
.

حكاية إبريق الزيت


 
من أشهر الأمثال الشعبيّة مثل "حكاية إبريق الزّيت"، بل لعلّه أشهرها جميعاً. فنحن نقول عن كلّ تكرار في الكلام واجترار للمعاني "مثل حكاية إبريق الزّيت".
وخبر هذه الحكاية:
يُحكى أنّ كاهناً حسن النيّة متوقّد الحميّة لاحظ أنّ كنيسته المكرّسة على اسم مار الياس صارت قديمة وغير لائقة بشفيع القرية، قال: "هذا غير مقبول حقاً".
واغتنم الكاهن مناسبة القدّاس، وبعد قراءة الإنجيل المقدّس، وقف في باب الهيكل وقال:
- سأحكي لكم حكاية إبريق الزيت. فقد انحبس المطر عن الأرض وهلك كثيرون جوعاً. وصدف أن مرّ مار الياس بامرأة تقشّ عيداناً يابسة وطلب منها كسرة خبز. ولم تكن المرأة تعرف مار الياس، فقالت:
- حيّ هو الربّ، ليس عندي سوى حفنة من الدقيق في الكوار وقليل من الزيت في الإبريق، وها أنذا أقشّ العيدان لأرجع وأخبز فطيرة لي ولابني لنأكلها ثم نموت.
فقال لها مار الياس:
- لا تخافي فإن كوار الدقيق في بيتك لن يفرغ بعد الآن، وإبريق الزيت لن ينقص، أدخلي واعملي فطيرتك واقسميها فيما بيننا نحن الثلاثة.
وصدق مار الياس مع المرأة. فلم يفرغ كوارها بعد ذلك، ولم ينقص إبريقها من الزيت.
وأضاف الكاهن:
- ومار الياس يقول لكم الآن أنّ بيته صار قديماً لا يليق بشفيع قريتنا. أعطوه ممّا عندكم من الزيت وهو يبارك خيرات بيوتكم ويكون صادقاً معكم كما صدق مع المرأة الفقيرة.


ومضى كلّ رجل إلى بيته وأتى بما تيسّر من الزيت- لأنّ الزيت كانت المنتوج الرئيسيّ في القرية.
لكنّ ذلك لم يكن كافياً لبناء كنيسة جديدة لمار الياس، فراح الكاهن يكرّر حكاية إبريق الزيت مع كلّ قدّاس، وراح المؤمنون يتبرّعون بحماسة وغيرة، حتى تمّ أخيراً بناء الكنيسة.
وصارت حكاية إبريق الزيت مثلاً شعبياً نعود إليه كلّما ناسبته المناسبة.


من كتاب حيص بيص

 

 


سلام الراسي

أديب لبناني ولد في قرية إبل السقي في قضاء مرجعيون. يلقبه أهل الجنوب بـ "أبو علي".

هو أحد من أعمدة التراث الحكائي وتراث الأمثال والفلكلور وكل ما يخص التجربة الشعبية اللبنانية وتجربة المنطقة اللبنانيّة الريفية الجنوبية بشكل عام. وقد عُرِف سلام الرّاسي بلقب "شيخ الأدب الشّعبي" وتمتاز كتاباته بسلاسة الأسلوب وقدرة المزج ما بين اللغة الفصحى والمحكيّة.

كتب الشعر والزجل شاباً ثم تحول إلى جمع المأثور الشعبي ومجمل أصناف الأدب القروي.
نال عدداً من الأوسمة والتكريمات تليق به وبمقامه.

نشر أول كتبه "لئلا تضيع" سنة 1971 حين كان عمره 60 عاماً، وبقي يكتب وينشر حتى التسعين.



مؤلفاته لئلا تضيع 1971
في الزوايا خبايا 1974
حكي قرايا وحكي سرايا 1976
شيح بريح 1978
الناس بالناس 1980
حيص بيص 1983
الحبل على الجرار 1988
جود من الموجود 1991
ثمانون 1993
القيل والقال 1994
قال المثل 1995
الناس أجناس 1995
أقعد أعوج وإحكي جالس 1996
من كل وادي عصا 1998
السيرة والمسيرة 1998
ياجبل ما يهزك ريح 2000
أحسن أيامك، سماع كلامك 2001
حكايات أدبية من الذاكرة الشعبية 2002





المعطف

 
تدور أحداث هذه القصة في مدينة الليالي البيضاء/ سانت بطرسبورغ، حيث يصور لنا من خلالها الكاتب نيكولاي غوغول حياة الموظف البسيط أكاكي أكاكييفتش، المسحوق مادياً

واجتماعياً، سجين نظرات الناس وسخريتهم التي لا تنتهي.
لم يكن أكاكي يجيب عنها، إلا حين بلوغها أقصى درجات السخرية، ليرد بعبارته الوحيدةعلى المحتقرين له "دعني وشأني، لماذا يحلو لك تعذيبي".

 
كان أكاكي يقضي اليوم بطوله في نسخ الوثائق، وبعد انتهاء العمل يعود إلى منزله ليتم ما عليه من نسخ، ثم يخلد بعدها للنوم.

وهكذا كانت الأيام تمضي عند موظفنا البسيط هذا. إلى أن يأتي اليوم الذي يعقد فيه أكاكي العزم على كسر رتابة حياته الروتينية، بأن يتخلى عن الرضا والإذعان لوضعه، وأن يبدأ في تعلية سقف طموحاته.

حدث هذا حين اجتاحت سانت بطرسبورغ، موجة صقيع قاسية واجهها أكاكي بمعطفه المرقع والذي لم يعد بوسع الخياط أن يجد بقعة ليغرس فيها إبرته، حينها اقتنع أكاكي أن عليه اقتناء معطف جديد، وفعلاً ذهب إلى الخياط لتفصيل معطف جديد. لكن من أين يأتي بالمال؟
الراتب بالكاد يكفي الأكل والشرب.
فكر الرجل. ولم يجد غير التقشف لمدة سنة كاملة حتى يدَّخر ثمن المعطف.
تخليوا أنه توقف عن شرب الشاي قبل النوم مع أنها المتعة الوحيدة التي لديه .
لم يعد يشعل قنديل المصباح ليلاً توفيراً لثمن الزيت. بل وصل به الأمر إلى حد إلغاء وجبة العشاء. وعند ذهابه للعمل كان يمشي على رؤوس أصابع قدميه ليحافظ على حذائه لأطول فترة ممكنة كي لا يضطر لشراء حذاء جديد وذلك من أجل توفير ثمن المعطف .
فخلال هذه السنة تحول المعطف إلى هدف وغاية، كان يفكر به طوال الوقت، ويشاهده في أحلامه. وكل أسبوع كان يذهب الى الخياط ليطمئن على المعطف.

مرَّت السنة وانتهى "التقشف" وحان يوم التسليم. عندما أرتدى المعطف كاد أن يصاب بنوبة قلبية من شدة الفرح، وعندما خرج إلى الشارع كاد يطير فرحاً، وخاصة عندما شعر بثقل المعطف على كتفيه. ففي هذه المرة كان يضحك من أعماقه.

في العمل نظر الزملاء إليه بدهشة، إنه يرتدي "معطف جديد"!
وللمرة الأولى دعاه أحد الزملاء إلى حفل عيد ميلاده. فذهب الى الحفلة وهو يشعر بالزهو وبأن لوجوده قيمة.



لكن!...
للأسف... لم تدم الفرحة طويلاً!
ففي طريق عودته هاجمه بعض اللصوص وأشبعوه ضرباً، وسرقوا المعطف. لم يساعده أحد من المارة رغم صراخه البائس واليائس. وظل مرمياً على الأرض يرتجف من شدة البرد والقهر والضعف.
الى أن استجمع قواه وقصد دائرة الشرطة لتساعده في كشف المجرمين أو في محاولة لإعادة المعطف له.

نظر المحقق إلى الرجل نظرة عدم اهتمام وقال له إنه لن يضيع وقته في مساألة تافهة "كسرقة معطف"!
فعاد الى غرفته " يرتجف من القهر والبرد".

بعد يومين قضاهما يهذي بكلمة "المعطف" مات صاحب المعطف.

ومع كل شتاء كانت روح صاحب المعطف البائسة تمشي في شوارع مدينة "سان بطرسبرغ الروسية" لتنتقم من كل إنسان يمتلك معطف.





نيقولاي فاسيليفتش غوغول 1809- 1852
ولد  في قرية سورتشينتسي قرب مدينة بولتافا/أوكرانية.
تأثر في صغره بطريقة حياة الفلاحين في الريف الأوكراني، وتقاليد شعب القوزاق وفولكلوره الغني. كان أبوه كاتب مسرحيات من وحي الفلكلور الأوكراني. وظهرت مواهب غوغول الأدبية والفنية في سن الثانية عشرة، وكان قد قلد العجائز في مسرح المدرسة بطريقة كوميدية.

يعتبر واحد من مؤسسي المدرسة الواقعية في الأدب الروسي في القرن التاسع عشر. كان يكتب بإسلوب كوميدي ساخر.

"النفوس ميتة" تعتبر أهم رواياته مع أنها لم تكن كاملة لأنه حرق بقيتها قبل أن يتوفى بعد اصابته بلوثة عقلية؛ كان السبب فيها قسيساً أدخل أفكاراً تحريمية في دماغه.

 

 "المعطف"  قصة إنسانية نُشرت عام 1842 

 قال عنها الروائي الشهير تورجينيف"كلنا خرجنا من معطف غوغول".

Twitter Bird Gadget