عَاشِر القوم أربعين يَوم


جارتي «أم سرور» تأتمنني أحيانًا على أسرارها، لأنَّ «الجار موصّى بالجار». ولذلك جاءَتني أمس تشتكي لي على خطيب ابنتها، قالتْ: «الحكي بيناتنا، يا غشيم، يا عديم».
ففهمت معنى «غشيم»، وتظاهرت أنّني فهمت معنى «عديم».
وتذكّرت أنّني وقفت يومًا أمام باب دكّان في شارع المطران، في صيدا، أسأل رجلًا عن مدرسة المقاصد، فقال: «تجتاز الشارع إلى الطريق، ومن الطريق إلى المعبور، ومن المعبور إلى الزاروب، ومن الزاروب إلى الزقاق. ثمّ تقطع المصلّبيّة وتستلم القادوميّة، فلا يبقى أمامك غير قناق أو قناقين».
وعندما رآني الرجل أقف ذاهلًا لم أفهم شيئًا، قال: «هيئتك "إبن مدارس أكثر من اللزوم". لو كلّ أعمى قلب سأل سؤال، بدنا نرسملو خارطه، كنّا سكّرنا الدكان من زمان».
من ذلك الوقت، تعلّمت أن لا أكون «إبن مدارس أكثر من اللزوم»، ولذلك تظاهرت أمام «أم سرور» بأنّني فهمت ماذا تعني، وقلت لها: «أنتِ سِتّ العارفين، دبّري الأمر بحكمتك!».
قالت: «ولكن المصيبة أنّه لا يفهم بالإشارة، فالمثل يقول: «عاشر القوم أربعين يوم. إن ما صرت منهم، إرحل عنهم!»
فقلت: «ولماذا أربعين يومًا، لا أكثر ولا أقل؟»
قالت: «وهل أنت أيضًا غشيم، لا تعرف أنّ الخطبة تكون أربعين يومًا: أوّل عشرة أيّام، ضيف. ثاني عشره، بسط وكيف. ثالث عشره، كَم وكيف. رابع عشره، سِل السيف... وفهمك كفايه!»
فقلت لها: «صدقت يا أم سرور. ولعلّ خطيب إبنتك هو مثلي، إبن مدارس أكثر من اللزوم.»
من كتاب حيص بيص



 سلام الراسي
(1911 - نيسان 2003)
وهو أديب لبناني ولد في قرية إبل السقي/ قضاء مرجعيون.
يلقبه أهل الجنوب بـ "أبو علي".
هو أحد أعمدة التراث الحكائي وتراث الأمثال والفلكلور وكل ما يخص التجربة الشعبية اللبنانية وتجربة المنطقة اللبنانيّة الريفية الجنوبية بشكل عام.
وقد عُرِف سلام الرّاسي بلقب "شيخ الأدب الشّعبي" وتمتاز كتاباته بسلاسة الأسلوب وقدرة المزج ما بين اللغة الفصحى والمحكيّة.
كما تجدر الإشارة إلى انّه قدّم العديد من الحلقات التليفيزيونية على تلفزيون لبنان في مطلع التسيعنيات.

Twitter Bird Gadget