بجماليون

مسرحية للأديب جورج برنارد شو


تبدأ مسرحية بجماليون كما كتبها جورج بيرنارد شو، برهان يقوم بين العالم الأرستقراطي هنري هيغنز، وصديقه الكولونيل بيكرنغ على فتاة هي اليزا دولتيل، يلتقي فيها ذات يوم فتلفت لهجتها المبتذلة وأسلوبها المشاكس الوضيع في التصرف، نظريهما وهنا يقول هيغنز لصديقة أن بإمكانه، خلال اشهر قليلة أن يحول هذه الفتاة إلى سيدة أرستقراطية، بمجرد تعليمها أناقة الحديث وأسرار اللهجة الراقية. وإذ يقول له الكولونيل أن هذا غير ممكن منطقياً، ويقوم الرهان بين الرجلين. وعلى اثر ذلك يدنو هنري هيغنز من بائعة الزهور اليزا، ويعرض عليها أن يعلمها المنطق مقابل بعض المال يعطيه لها ومال آخر يعطيه لأبيها، وهكذا تأتي في اليوم التالي إلى بيته، وتبدأ بالتمارين. وقد أبدت اليزا خلال التمارين استجابة واستعداد أذهلت أستاذها. وخلال فترة نجحت اليزا في الاختبارات التي أجريت لها، وتحسن نطقها وكذلك تحسن مظهرها ويظهر ذلك خلال زيارة اليزا إلى بيت السيدة هيغنز في يوم استقبالها، وكذلك يظهر خلال حفلة صاخبة في حديقة منزل سفير من أصدقاء هنري هيغنز فإلى تلك الحفلة اصطحب هيغنز تلميذته (اليزا) ليقدمها إلى الحفل على أساس أنها دوقة، من دون أن يكشف سرها لأحد. وتتصرف اليزا مثل دوقة حقيقية، نطقاً وفهماً وأناقة
وتظهر كأنها خارجة من أرقى العائلات الأرستقراطية ويكسب بذلك هيغنز الرهان وبعد ذلك انتبهت اليزا إلى أن الرجلين لا يقيمان أي وزن لدورها في النصر، وأكثر ما يؤثر فيها موقف هيغنز حيث أنها بدأت تميل إليه ووقعت في غرامة من دون أن يلاحظ هو شيئاً وأنة يتجاهلها تماماً معتبراً اياها مجرد مادة أجرى عليها اختباراً ناجحاً، صحيح أنها كانت مادة طيعة بين يديه، مثل المادة التي صنع منها بجماليون الأصلي منحوتته لكنها في نهاية الأمر كائن بشري تحب وتحزن، إنها ليست مجرد دمية صنعت، إن هذا كله تحسه اليزا، لكن هنري هيغنز يعيش خارجة تماماً فهو المهووس بعلمه وانتصاره، ما كان ليخطر بباله مثل هذه الأشياء، وبعد أن تيأس اليزا من قدرة هيغنز على فهم ما بها، تلجأ إلى منزل والدته السيدة هيغنز فتقوم بتأنيب ابنها ولومه على ما فعل ومن ثم يعود هيغنز إلى اليزا طالباً المغفرة ويعرض عليها 
 أن تعيش معه ومع صديقه الكولونيل في منزله كثلاثي عازب، فتغضب اليزا منه وترفض عرضه فهي لا تسعى إلى الحصول على صداقة أو حياة مترفة، بل ما يهمها هو الحنان، يهمها أن ينظر إليها بحب.. لكنه هو يرفض هذا تماماً محاولاً إقناعها بأن هذا الأمر يتعارض مع طبيعته نفسها،

وإزاء هذا كله لم يعد في وسع اليزا التي صارت الآن أكثر ثقة بنفسها وقدرة على مجابهة الحياة إلا أن تعلن أمامه بأنها ستتزوج شاباً صديقاً له هو فريدي الذي كان يطاردها منذ زمن بعيد، كما أنها تعلن إنها لن تعود لبيع الزهور بل ستصبح أستاذة صوتيات مثل هيغنز تماماً، بل سوف تنافسه في ذلك.......



جورج برناردشو (1856 – 1950 ): كاتب مسرحي إنكليزي. إيرلندي المولد. تزخر أعماله بالظرف والسخرية.
ولد في دبلن بايرلندا من طبقة متوسطة واضطر لترك المدرسة
وهو في الخامسة عشرة من عمره ليعمل موظفاً. كان والده سكيراً مدمناً للكحول مما شكل لديه ردة فعل بعدم قرب الخمر طوال حياته .
ورث من والديه الظرف والسخرية من المواقف المؤلمة والجهر بالرأي وعدم المبالاة بمخالفة المألوف والتمرد على التقاليد السائدة.
رغم تركه للمدرسة مبكراً إلا أنه استمر بالقراءة وتعلّم اللاتينية والاغريقية والفرنسية ومع ذلك لم يثنه عدم التعلم في المدارس عن اكتساب المعرفة والتعلّم الذاتي. فالمدارس برأي برناردشو " ليست سوى سجون ومعتقلات".

كان مناهضاً لحقوق المرأة ومنادياً بالمساواة في الدخل. سنة 1925 مُنح جائزة نوبل في الأدب فقبل التكريم ورفض الجائزة المالية ساخراً منها بقوله:
"إن جائزة نوبل تشبه طوق النجاة الذي يتم إلقاؤه لأحد الأشخاص بعد أن يكون هذا الشخص قد وصل إلى الشاطئ."

كما أنه سخر من نوبل مؤسس الجائزة الذي جمع ثروته الكبيرة بسبب اختراعه للديناميت حيث يقول:
"إنني أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت ولكنني لا أغفر له أنه أنشأ جائزة نوبل".

فقد عاش برناردشو حياة فقيرة وبائسة أيام شبابه وعندما أصبح غنياً لم يكن بحاجة لتلك الجائزة التي تُمنح أحياناً لمن لا يستحقها..
ولأن حياته كانت في بدايتها نضالاً ضد الفقر، فقد جعل من مكافحة الفقر هدفاً رئيسياً لكل ما يكتب وكان يرى أن الفقر مصدر لكل الآثام والشرور كالسرقة والإدمان والانحراف، وأن الفقر معناه الضّعف والجهل والمرض والقمع والنفاق. ويظهر ذلك جلياً في مسرحيته "الرائد باربرا" التي يتناول فيها موضوع الفقر والرأسمالية ونفاق الجمعيات الخيرية.

انخرط في العمل السياسي وبدأ نشاطه في مجال الحركة الاشتراكية socialism وانضم للجمعية الفابيّة (وهي جمعية انكليزية سعى أعضاؤها إلى نشر المبادئ الاشتراكية بالوسائل السلمية).
كتب ما يزيد على الخمسين مسرحية .



















أكابر

مقطع من "أكابر" ل ميخائيل نعيمة

بقي أبو رشيد وأم رشيد حتى ساعة متأخرة من الليل يتداولان في أمر بالغ الأهمية, فما يستقران على رأي. فقد جاءهما من (الأستاذ) أنه قادم في الغد ليقسم البيدر, وإذا لابد من إعداد الغداء التقليدي. فماذا يعدان له ؟. لقد كان المرحوم والده رجلاً أمياً مثلهما, وكان كلما جاء لقسمة البيدر في أواخر الصيف يأبى

الجلوس إلا على التراب.. والغداء مهما أسرفت أم رشيد في البذخ ما كان يتجاوز بضع بيضات مقلية (بالقاورمة) مع لبن رائب وبصل وخيار وخبز مرقوق وقليل من عسل إن تيسر العسل.

و(الأستاذ) محامٍ يعيش في العاصمة عيشة الكبار, وزوجه كذلك من بنات الكبار, ولهما ابنة وحيدة في سن رشيد. ومن الأكيد أن الأستاذ لن يأتيهم وحده, بل سيصطحب زوجه وابنته وخادمته وسائق سيارته, فكيف يليق بأبي رشيد وأم رشيد أن يستقبلوهم ؟ وأين يجلسانهم. في خيمتهما المصنوعة من الأشجار؟ أيجلسانهم على الطراريح أم يمدان لهم فراشهما ليجلسا عليه ؟ وماذا يقدمان لهم ؟ وكيف ؟.. إنهم كبار لا يأكلون إلا بالسكاكين والشوكات وفي صحون صينية. ولاشيئ من ذلك عند أبي رشيد حتى ولا طاولة. وجل ما يملكانه من هذا بضعة صحون معدنية وإبريق من الخزف وبضع ملاعق خشبية.

تلك هي الأمور التي كانت تشغل بالهما تلك الليلة . فإن يتفقان على رأي حتى تقوم في وجهه صعوبات ومشكلات. هكذا اتفقا في البداية على أن يذبحا جديهما المدلل, فما إن سمع ابنهما رشيد بذلك حتى جن جنونه وأخذ يبكي ويلطم.. فقد كان الجدي أعز ما لديه في الدنيا. وكانت النتيجة أن نجا الجدي وجعل الديك فداءه. ولم يكن لأبي رشيد غير ذلك الديك وثلاث دجاجات. وهنا انتابت رشيد نوبة من البكاء والعويل والغصص والسعال حتى خشي والده عليه فقد كان يحب ديكه الأحمر ويطعمه من يده ويعتز بجماله وقوته ورخامة صوته, فكان أن عدل الوالدان عن ذبح الديك, وكان أن نام
ابنهما من بعد أن بلل مخدته بدموعه. ثم كان أن اتفق الوالدان في
النهاية على ذبح دجاجة من دجاجاتهما الثلاث. وإذا بلغ الزوجان تلك النهاية تنهدت أم رشيد وقالت بحرقة بالغة: ولدي؟ لقد نام والغصة في حلقه, وستعاوده الغصة عندما يستفيق في الصباح فيرى أننا قد ذبحنا دجاجة من الثلاث فهو يحبهن جميعاً. فقال أبو رشيد: سيبكي قليلاً ثم ينساها, وما العمل ؟ أيأتينا الأستاذ أول مرة ولانقوم بواجبه؟


_ دعنا منه يارجل . كل دمعة من عين ابني تساوي كل ما يملك, إن ظفره عندي بالدنيا.

_ لاتنسي يامرأة أننا شركاء, وأننا مدينون لصاحب الأرض بثلاثة آلاف قرش. فيجدر بنا أن نحسن استقباله وضيافته. ولو كنا نعرف أنه سيكون رفيقاً بنا كوالده لهان الأمر, ولكننا نجهل دخيلته.

_ رحمة الله على والده, فما كان يطالبنا حتى بالفائدة.

_ أي, رحمة الله على عظامه. لقد كان طيب القلب. ولكن الزمان تغير بسرعة يا امرأة.. فما ندري كيف يكون طالعنا مع الأبن.

_ قلبي يحدثني بأنه طالع خير.

وفي الصباح الباكر انصرفت أم رشيد لترتيب هندامها وتنظيف خيمتها وإعداد الغداء لضيوفها, وحلق أبو رشيد ذقنه ولبس أحسن سراويله, وانصرف إلى البيدر يكنسه, ويغربل ما تبقى من القمح دون غربلة ثم يطرحه على الكومة القائمة في وسط البيدر, ثم يدور حول الكومة آسفاً في قلبه لأنها لا تكون نصف ما كانت عليه في الموسم الماضي. لقد بخلت السماء بالمطر في أوانه وجاءت به في غير أوانه. فكان القحط وكانت هذه الكثرة الهائلة من الزؤان مع القمح..

عاد أبو رشيد إلى الخيمة فوجد زوجه منهمكة في تصفيف الصحون المعدنية والملاعق الخشبية ووجد ابنه يلاعب الجدي وكان يدعوه تحبباً (عفريت) فآناً يركض وراءه, وآونة يحمله, وأخرى يمضي يدور وإياه دورات كأنها الرقص الموقّع خير توقيع. ثم يترك الجدي وينادي الديك وقد سماه (سلطان) فيهرول سلطان إليه في الحال, ويأتيه بشيئ من الحب فيلتقطه من يده. ثم يدفعه الولد صعوداً في الهواء فيصفق تصفيق الهلع بجناحيه فيأخذه الولد بين يديه ويطبع قبلة على كل عين من عينيه ثم يرسله في سبيله..

قاربت الساعة الثانية. فكاد أبو رشيد وأم رشيد يقنطان من مجيء ضيوفهما. وإذا بهدير سيارة يأتي من بعيد, وإذا بالسيارة تقف على مرمى حجر من الخيمة. وإذا برجل وامرأة وخادمة وابنة صغيرة يترجلون من السيارة ويسيرون في اتجاه الخيمة. فيسرع أبو رشيد وأم رشيد للقائهم..

وعندما بلغ الجمع الخيمة بعد عناء وتأفف من قبل زوجة الأستاذ واعتذار مستمر من قبل أبي رشيد. وأم رشيد وقفت هذه الأخيرة بجانب الباب وانحنت وهي تفرك يديها بارتباك وتقول بصوت متلجلج:

تفضلوا .. ياعيب الشوم .. لاتؤاخذونا.. ما في شيْ من قيمتكم ..

فالتفتت إليها زوجة الأستاذ وقالت بازدراء ظاهر:

وإلى أين ؟ أين البيت ؟

واختنقت أم رشيد وأجابت بلسان متلعثم:

البيت ياست؟!.. هذا هو البيت يا ست, هذه الخيمة التي ترين هي بيتنا الصيفي في هذه الجبال.

وهنا تناول الأستاذ الحديث مخاطباً زوجته بالفرنسية:

هكذا يعيش هؤلاء الفلاحون في جبالنا في مثل هذه الخيام صيفاً, ومن بعد أن يجمعوا غلالهم ويزرعوا زرعهم للموسم القادم ينحدرون إلى قراهم... فأجابته زوجته بالفرنسية:

إنهم يعيشون في الصيف كالذئاب وفي الشتاء كالدببة. وأين تريدنا هذه العجوز أن نجلس ؟

فقال : في الخيمة.

فقالت الزوجة: في هذه الخيمة! وعلى الأرض ..لا.. لن أدخل هذه الخيمة على الأطلاق..

فقال الأستاذ : ولكنهم أعدوا لنا غداء ونحن جياع وابنتنا على الأخص, وإن نحن لم نأكل أعتبروا ذلك إهانة لهم.

فقالت: ليعتبروه كيفما شاؤوا .. أنأكل من هذه الصحون المعدنية وبمعلقة من خشب, ألعلك فقدت عقلك ؟

فقال لها: ما فقدت عقلي, ولكنني لا أستطيع أن أطعن هؤلاء الناس في الصميم.

وهكذا كان. فقد اعتذر الأستاذ لأبي رشيد, فنزل عذره عليهما نزول الصاعقة, وانعقل لسانهما.. وامتقع وجهاهما .. وأخيراً أخذ الأستاذ أبا رشيد جانباً وذكره بالدين, وطلب إليه أن يدفع الفائدة عن السنوات الخمس التي مرت. فانكمش قلب أبي رشيد وراح يفرك يديه فركاً عصبياً ويقول من غير أن يدري ما يقول:

ليضربني الله بعيني الاثنتين, ما نسيت الدين وسأدفعه إن شاء الله مع الفائدة .. ولكن حصتي من الموسم هذا العام لاتكفيني .. ولا
أدري من أين آتي بالمال لأبتاع حاجتنا من القمح.


فقال الأستاذ: تدبر أمرك بمعرفتك يا أبا رشيد. أما مالي فمن حقي أن يعود إلي.

فقال أبو رشيد: حقك .. نعم ياسيدي حقك. ولكن الله سبحانه لم يعطني موسماً يضاهي أتعابي ! فماذا أفعل ؟

فقال: ذلك شغلك. سأرسل إليك سائقي في الغد وهو يجري قسمة البيدر. أما الآن فنحن مضطرون إلى العودة..

في أثناء ذلك كانت ( نونو) مأخوذة بألعاب رشيد وجديه وديكه .. وعندما همّ والداها بالإنصراف التفتت إلى أمها وخاطبتها بالفرنسية: ماما. إني أريد هذا الجدي وهذا الديك فأجابتها أمها:

سيكون لك ما تريدين يا نونو .

وأمرت أبا رشيد أن يحمل الجدي والديك إلى السيارة, ففعل صاغراً وقلبه يكاد ينفطر غيظاً .. وإذ ذاك أدرك رشيد ما جرى واستفاق كمن كان في غيبوبة, وطفق يعدو في إثر السيارة بكل مافي ساقيه من قوة وسرعة وهو يصيح كالمذبوح:

عفريت يا عفـــــــــــــــــريت ! سلطان يا سلــــــــــــــطان!

وكانت السماء تسمع الصراخ والوادي يردد صداه.





ميخائيل نعيمة 1889 - 1988 مفكر عربي لبناني وهو واحد من الجيل الذي قاد النهضة الفكرية والثقافية وأحدث اليقظة وقاد إلى التجديد . فهو شاعر وقاص ومسرحي وناقد وكاتب مقال ومتفلسف
في الحياة والنفس الإنسانية وقد أهدى إلينا آثاره بالعربية والإنجليزية والروسية وهي كتابات تشهد له بالامتياز وتحفظ له المنزلة السامية.


ولد في بسكنتا في جبل صنين في لبنان وأنهى دراسته المدرسية في مدرسة الجمعية الفلسطينية فيها، تبعها بخمس سنوات جامعية في بولتافيا الأوكرانية بين عامي 1905 و 1911 حيث تسنّى له الاضطلاع على مؤلّفات الأدب الروسي، ثم اكمل دراسة الحقوق في الولايات المتحدة الأمريكية (منذ عام 1911) وحصل على الجنسية الأمريكية. انضم إلى الرابطة القلمية التي أسسها أدباء عرب في المهجر وكان نائباً لجبران خليل جبران فيها. عاد إلى بسكنتا عام 1932 واتسع نشاطه الأدبي. لقّب ب"ناسك الشخروب".
 
مؤلفاته:

في الدراسات والمقالات والنقد والرسائل وضع ميخائيل نعيمة ثقله التأليفي (22 كتاباً)، نوردها بتسلسلها الزمني:
كان ما كان 1932.
المراحل، دروب 1934.
جبران خليل جبران 1936.
زاد المعاد 1945.
البيادر 1946.
كرم على درب 1948.
صوت العالم 1949.
النور والديجور 1953.
في مهب الريح 1957.
أبعد من موسكو ومن واشنطن 1963.
اليوم الأخير 1965.
هوامش 1972.
في الغربال الجديد 1973.
مقالات متفرقة، يابن آدم، نجوى الغروب 1974.
مختارات من ميخائيل نعيمة وأحاديث مع الصحافة 1974.
رسائل، من وحي المسيح 1977.
ومضات، شذور وأمثال، الجندي المجهول.

مجموعته الشعرية الوحيدة هي "همس الجفون" وضعها بالإنكليزية.

قصصه:
"سنتها الجديدة" - "العاقر" - "مرداد" - "أبو بطة" - "أكابر" "التي يقال أنه وضعها مقابل كتاب النبي لجبران.

قوليها للحائط !

قصة للكاتبة الكندية: دايان شويمبرلين
ترجمها: طه جعفر الخليفة 

بعد موت زوجها فجأةً بسكتة قلبية في عامه التاسع والخمسين. تغيرت حياة مابل بيترسون بشكلٍ كامل. بالرغم من أنهما عاشا حياة سعيدة في مزرعتهما لثلاثين عاماً، الرحيل المفاجىء لفيكتور بيترسون ترك زوجته في ضائقة مريعة. كان فيكتور طيباً لكنه غير موفق  فلقد أنجز العديد من الإستثمارات الفاشلة ولم يكن يدفع فواتيره في الحال. كان دائم التخطيط لإنجاز تأمين على الحياة لكنه لم يفعل. كبقية الموتى ظن فيكتور أن أمامه حياة عريضة لاتمام كل ذلك. بعد موته وجدت مابل نفسها معدمة و يتوجب عليها أن تنتقل للحياة مع ولديها المتزوجين.
لم يُظهر أيٍ من ولديها شارلي وستيف إهتماما بأن يكون مزارعاً.

قبل عدة أعوام من وفاة أبيهما إنتقلا للعيش في المدينة التي تبعد أميالاً عن المزرعة الخاصة بأبيهما. وجد كلٍ منهما وظيفة وتزوج. إشتركا في شراء شقة دوبلكس بالمدينة وعاشا معاً. شارلي وزوجته روز في الطابق الأول وستيف مع زوجته كاثي في الطابق الأعلى. كانت روز وكاثي حاملتان بمولوديهما الأولين. إتفقوا علي أن تسكن معهم مابل في غرفة بالدور التحتاني بتلفزيونها وحمامها المنفصلين. إعتقدوا أن مابل سيكون بمقدورها تكوين صداقات جديدة في المدينة وسيكون بمقدورها ملاعبة حفيداها اللذان سيتم ميلادهما في الربيع القادم و لن تحس بالوحشة بعد ذلك.
في البداية كانت الأمور مبهجة لجميع الأطراف. لكن سرعان ما بدأت الامور في التَغيّر وفي أحد الايام كانت كاثي وزور متوعكتان. فطلبت روز من مابل أن تنظف أرضية المطبخ وأن تنجز غسيل الملابس و... . كما طلبت كاثي منها أن تقوم بتنظيف الدرج والفرن وإذا كان بمقدروها ان تكوي لها بعض الملابس. كانت مابل سعيدة بمبدأ المساعدة في أعمال البيت.
عندما عاد شارلي في المساء من العمل كان جائعاً ومتعباً ولأن زوجته كانت بفراش المرض أعدت مابل لإبنها الأكبر عشاء متنوع الأطباق. إشتكى شارلي من أن سلطة الخضار كان ذابلة واللحم لم يكن مبهراً بشكل كافٍ لكنه أكل جميع عشاءه على أي حال. كما قال إن أرضية المطبخ متسخة بالرغم من تنظيف مابل لها في ذلك الصباح. وعندما حملت مابل صينية الطعام لروز في غرفتها بالطابق العلوي لم تستطع روز الأكل لأنها كانت متضايقة من كرمشة معطفها المفضل بسبب عدم فرد مابل للغسيل بعد إخراجه من مجففة الملابس. بعد العشاء طلب شارلي من أمه غسل الإطباق لأنه كان متعباً.
عندما عاد ستيف متأخراً من العمل إشتكى بصوت عالٍ من عدم إعداد العشاء له وكانت كاثي بفراش وعكتها فأضطرت مابل لإعداد العشاء لإبنها الأصغر. إشتكى ستيف من أن الأرز كان متلبكاً واللحم مبهر بأكثر مما يجب وكانت كاثي متضايقة من إحتراق بلوزتها جراء مكواة مابل لها في الصباح فلم تستطع الأكل. بعد العشاء غسلت مابل الأطباق لأن ستيف أراد متابعة التلفاز.
في اليوم التالي تحسنت حالة كاثي وروز. تحسنت حالتهما فهما بحال تمكنهما من الإسلتقاء على كنبات غرفة المعيشة لمشاهدة المسلسلات التلفزيونية ومهاتفة أصدقائهما. بذلك لم يكن أمام مابل غير الركض بين الطابقين لإكمال مهام البيت وأشغاله في الصباح وعند الظهيرة والركض بين البيت و متجر البقالة المجاور لتبلي حاجات توَحُم روز وكاثي حيث أرادت روز مخلل الخضار المحلي وأردات كاثي ايسكريم بنكهة الفانيللا والمحلى بالسكر الأسمر ولاحقاً إشتهت روز ليموناضة منزلية بنكهة البرتقال كما طلبت كاثي ثانياً كيك الاناناس ولانجاز هذه الطلبات إحتاجت مابل للذهاب والعودة من متجر البقالة المجاورة إثنتي عشر مرة.
كانت كاثي وروز بصحة جيدة تمكنهما من الأكل لكنها ليس كافية لتجعلهما تطبخان لذلك إحتاجت مابل لتحضير العشاء لولديها. وللمرة الثانية الجميع اشتكي الجميع من الأكل الذي تمكنوا جميعاً من حشو انفسهم به. انتقدوا كل ما أعدته لهم. بعد العشاء نظفت مابل الأطباق والطناجرفي المطبخين لأن الجميع كان مشغولاً بامور أهم.
عندما عادت مابل إلى غرفتها بالدور التحتاني، كانت متعبة ولم تكن سعيدة بفكرة مشاهدة التلفاز لوحدها. أحست بالملل فاستلقت على سريرها وجعلت نفسها تبكي لتنام.
كان اليوم التالي مشابهاً للأمس وكذلك الذي يليه وبقية الايام اللاحقة. فعلت مابل كل شيء لأولادها وزوجاتهم وسمعتهم ينتقدون كل ما تفعله وسمعتهم وهم يتبادلون الأدوار في وصفها بالغباء فتمضي إلى غرفتها في الطابق التحتاني لتبكي. وإستمر الحال هكذا دون تغيير لغير الأسوأ . مالم تستطع مابل فهمه هو كيف تغير أولادها وتحولوا إلى هذه الشخصيات السخيفة والقاسية ولقد كانوا أطفالاً سعداء ومحبوبين عندما كانوا في المزرعة بين والديهما. ولم تستطع فهم كيف تزوج أولادها هذا النمط من النساء السخيفات والكسولات. لم يكن لديها صديقة او صديق لتشتكي له ولم يكن لها وقت لبناء صداقات جراء إنهماكها في مهام البيت. كانت تخشي أن تسبب مشاكل في البيت إذا تكلمت. وفي نهاية الأمر فلقد أخذها ولديها للعيش معهم لأنها أصبحت وحيدة بعد وفاة زوجها ولم يكن لها مكان آخر لتمضي إليه. هذا الى جانب خوفها من الطرد إلى الشارع إذا اشتكت من طريقة معاملتهم لها.
لم يعد أمامها من خيارٍ بتوالي الايام غير إجتياف حزنها وأذاها، ابتعلت كل تلك الآلام وبالتدريج بدأ جسمها في التورم والإنتفاخ وكلما تجتاف حزناً او أذى يزداد تورمها وتزداد سمنتها. بعد مدة قصيرة لم تعد تستطيع صعود الدرج لإنجاز مهام البيت وصَغُر حوض الحمام (البانيو) عن حجمها الزائد ولم تستطع أن تقلب جسدها في سريرها الذي أصبح صغيراً على جسدها المتورم. ازدات سمنتها لدرجة انها أصبحت تجد صعوبةً في التنفس.
وبعد انتقاد ولداها وزوجتاهما سوء طبخها وخراقتها في الخدمة

المنزلية وغبائها إجمالاً بدأوا يتنتدرون بوزنها الزائد وقالوا انها تأكل كخنزير ولم ينتبهوا إلى حقيقة أنها كانت منشغلةً بخدمتهم ولم يكن لديها حتى الوقت لتأكل. قالوا إنها بدينة كبقرة، كحيوان الموز او كفيل وقالوا انها صارت تشبه منطاداً جراء سمنتها. خاف ولداها من مجرد التفكير في ماذا كان سيقول والدهم عنها اذا رأى بدانتها الحالية وغباوتها و قال ستيف أن ابوهما يتعذب في قبره جراء بدانتها وخراقتها.
حدث مرة في عطلة نهاية الاسبوع أن قرر الجميع شارلي وزوجته روز وستيف وزوجته كاثي الذهاب الي حفلة موسيقية في حديقة عامة. لأن مابل لم ترى مكاناً في المدينة غير متجر البقالة المجاور قالت إنها تريد ان ترافقهم الي الحفلة الموسيقية فرد عليها شارلي بالقول انهم يخجلون من فكرة ظهورها معهم في مكان عام نتيجة لبدانتها المفرطة وخراقتها وقالت روز سيبحلق الناس فينا ويشيرون علينا بأصابعهم وسيعتقد الصغار في الحديقة العامة إنها


وحش من شحم هنا قالت كاثي سيتراكض الأطفال و يصرخون من الرعب من مجرد مشاهدتها و قال ستيف انها بحجمها هذا لن تستطيع أن تركب السيارة حتى والتي سوف تتداعي تحت وزنها الزائد. وسخر منها شارلي قائلاً لماذا لا نربطها في رف السيارة العلوي كحقيبة لنوصلها الي الحديق العامة حيث الحفل فضحك الجميع وهم يغادرون نحو حفلتهم الموسيقية.
تُرِكت مابل بالبيت ولم تحتمل فكرة أن تظل وحيدة في غرفتها التحتانية. وضعت معطفها الذي صار صغيراً عليها وحقيبة يدها وإتجهت الى موقف الباص في زاوية الطريق جوار بيتهم. ركبت أول باص جاء للمحطة. كانت بدينة لدرجة أن سائق الباص جعلها تدفع أجرة راكبين لأنها إحتلت مقعدين. حملها الباص إلى نهاية المدينة الشمالية.
نزلت عن الباص وبدأت تمشي. لم تستطع المشي بسرعة جراء بدانتها، تسارعت أنفاسها وتَعرّق جسدها. كانت تتوقف لإلتقاط أنفاسها. كانت تبتعد عن المدينة بصورة تدريجية. إنحنى الطريق جوار منطقة ريفية ذكّرتها بالمزرعة التي عاشت فيها مع فيكتور زوجها الراحل لمدة طويلة سيل الذكريات جعلها أكثر حزناً وإحساساً بالوحشة. تبعت طريقاً جانبياً صوب بيت قديم ومهجور كان مبنياً من الطوب وكان بلا سقف وبنوافذ محطمة. دخلت هذا البيت، وقفت في منتصف البيت القديم المتهدم يلفها الحزن التام والتعاسة الماثلة واليأس. لم تعد تحتمل الأحزان في داخلها لدقيقة واحدة. إحتاجت ان تكلم أحداً والمكان خلوٌ ولا أحد فيه غيرها. بدأت مابل في الكلام مع الحائط قُبَالتها عن إبنها الأكبر شارلي وكيف قال لها انها بدينة كبقرة والذي اشتكى من إتساخ البلاط في المطبخ رغم تنظيفها له وأشتكى من أن العشاء لم يكن مبّهراً بما يكفي. والذي قال متندراً علينا ربطها في الرف أعلى السيارة. شارلي الذي يستحي من أن يشاهده الناس برفقتها. عندما إنتهت من كلامها تصدع الحائط وإنهار من عبْء شكواها الحزينة. تصدع الحائط وانهار وصار كومة من الطوب إنطلقت منها سحابة من الغبار والتراب. نقص وزنها وأحست بخفة. أدارت وجهها صوب حائط آخر وكلمته عن روز زوجة إبنها الأكبر شارلي التي قالت عنها إنها ضخمة كحيوان الموز، روز التي صرخت في وجهها لأنها لم تَفرِد لها ملابسها بعد التجفيف والتي قالت ان الناس في الحديقة سيشيرون بأصابعهم نحوهم و يبحلقون لانها بدينة جداً ، روز التي كانت تُعّيرها يومياً ببدانتها و خراقتها فتصدع الحائط منهاراً نحو الأسفل في كومة من الطوب المُغبرة. هنا أحست بخفة روح زائدة واتضح نقصان وزنها. ولحائط ثالث حكت عن إبنها الأصغر ستيف الذي قال عنها إنها في ضخامة فيل والذي إشتكي من إتساخ الدرج برغم تنظفيها له والذي قال إن العشاء كان مبهراً بأكثر مما يجب، ستيف الذي قال انها لن تستطيع ركوب السيارة معهم جراء بدانتها وقال إن سيارة ستتداعى تحت وزنها الضخم والذي قال ان زوجها فيكتور كان سيموت حياءً جراء بدانتها وبلادتها هنا انهار الحائط الثالث متصدعاً. و بإحساس طاغٍ بنقصان الوزن وخفة الروح توجهت بشكواها نحو الحائط الرابع لتكلمه عن كنّتِها كاثي التي قالت عنها أنها منتفخة كمنطاد والتي صاحت في وجهها لأنها أحرقت البلوزة اثناء المكواة ، كاثي التي قالت ان الصغار سيركضون خوفاً صارخين من مجرد مشاهدتها والتي قالت عنها إنها اكثر الخلق بدانة وخراقة فخرّ الحائط مرمياً من العجز أمام عبء وفداحة الشكوى.
أحست مابل الواقفة وسط حطام البيت المهجور بنوع من الارتياح لم تعش مثله منذ رحيل زوجها فيكتور. شملت نفسها بنظرة فإندهشت من عودة جسمها لحالته الأولى. كل الغضب والأذى الذين اجتافتهما قد غادراها آخذان معهما الوزن الزائد.
لبست مابل معطفها وإتجهت إلى البيت في رحلة عودة طويلة. عندما وصلت إلى نهاية المدينة الشمالية ركبت أول باص جاء الى المحطة. نفس السائق ونفس الباص لكن السائق لم ينتبه إلى انها تلك المرأة البدينة التي طلب منها أن تدفع أجرة راكبين لا بل قال لها مجاملاً إنها تبدو جميلة ولم يأخذ منها أي أجرة إحتفاءً بحلو طلتها. نزلت من الباص في قلب المدينة ودخلت مركزاً تجارياً كبيراً صعدت إلى أعلى وجلست في أحد المقاهي وطلبت شاياً. تجاذبت أطراف الحديث مع إمرأة بدينة ووحيدة تجلس إلي طاولة مجاورة. إستمتعت السيدتان بالرفقة وإفترقتا على أمل اللقاء في الأسبوع القادم في نفس المكان وبذات الزمان. صعدت مابل الى الدور الثالث وإشترت دستين من خيوط الصوف ومجموعة من
إبرات النسيج والخياطة. ثم نزلت إلى الدور الثاني وإشترت لنفسها جهاز تشغيل موسيقى وسماعتين وصندوق من الاسطوانات الموسيقية. ثم غادرت إلى الطريق المزدحم متخذةً البص الذي سيأخذها الي البيت.
عندما عاد أولادها الى البيت برفقة زوجاتهم من الحفل الموسيقي بالحديقة العامة بعد قرابة الساعة من عودتها بدأوا في الصراخ لأن البيت كان غير مرتب ولم يكن هنالك أكل في إنتظارهم. نزلوا مسرعين إلى غرفة مابل في الدور التحتاني فاتحين باب غرفتها
بعنف. أحمرت وجوههم ووانفتحت أفواههم فاغرة من الدهشة من منظر مابل بسماعات الموسيقي في أذنيها وهي تدندن وتنسج خيوط الصوف الملونة لتجهز قبعات وجوارب للأطفال القادمين في الربيع، بابتسامة عريضة لوحت في وجوههم بيد واحدة مشيرة اليهم لينصرفوا.

دايان شويمبرلين Diane Schoemperlen

من مواليد 1952 في ثندر باي في اونتاريو، تخرجت من جامعة لايك هيد. دايان كاتبة قصة قصيرة وروائية ومحررة. عملت
مدرّسة، تكتب عادة كتابات ساخرة لتعالج موضوعات إجتماعية.
القصة " قوليها للحائط" تنتمي إلى المجموعة القصصية "القرد الملك وحكايات أخرى، الصادر سنة 1995". القصة بالأساس ترتكز على حكاية شعبية لقومية التاميل والمجموعة القصصية أُنتجَت بالمشاركة بين كتّاب كنديين وكتّاب سيريلانكيين إشتغلوا على الحكايات الشعبية السيريلانكية إما نقلاً أو إعادة كتابة بما يليق ومتطلبات المجتمع الكندي. 
روايتها الأولى  في لغة الحب In the Language of Love
 نشرت عام 1994.

ملابس الملك الجديدة

للكاتب الدنماركي: هانس كريستيان أندرسن

 منذ سنوات بعيدة عاش إمبراطور بلغ عشقه للملابس الجديدة ما جعله ينفق كل ماله حتى يكون في أبهى الملابس, كانت المدينة الكبيرة التي يحكمها يأتيها الزائرون كل يوم وذات يوم جاء نصابان وادعيا أنهما نساجان وقالا إنهما يستطيعان نسج أرقى قماش وأن تلك الملابس مصنوعة من نسيج له صفة غريبة إذ لا يراه من كان غير كفء لمنصبه ولا من كان غبياً. قال الإمبراطور: (لا بد أن هذه الملابس مدهشة وسأعرف أي رجالي لا يصلح لمنصبه ولتبدآ بصنع القماش). وسلم الدجالين أموالاً كثيرة حتى يبدآ. وضع الرجلين نولين وتظاهرا بأنهما يعملان لكنهما لم يضعا أي شيئ.
وكانا بكل جرأة يأمران بأرقى أنواع الحرير وأنفس سبائك الذهب ثم يضعان ذلك كله في حافظتيهما. قال الإمبراطور في نفسه: ترى كم أنجزا من العمل في القماش؟ ولكنه شعر بقلق بالغ عندما تذكر أن كل غبي وكل غير كفء لمنصبه سيعجز عن رؤية القماش. وقال: سأرسل وزيري العجوز الأمين إلى النساجين فهو خير حكم على شكل القماش لأنه ذكي في القيام بمهام منصبه). فذهب الوزير لهما ورآهما يعملان على نوليهما الفارغين. فقال في نفسه وهويفتح عينيه: (يا الهي أنا لا أرى شيئاً!) لكنه لم يعلن ذلك.
دعاه كلا النصابين لأن يقترب وسألاه وهما يشيران إلى النول الفارغ عن رأيه ولكنه حملق عينيه وحدث نفسه: (هل يعقل أن أكون غبياً وغير كفء لمنصبي!).
 قال النصاب: (مالك لا تقول شيئاً سيدي؟) فرد عليه الوزير: إنه جميل سأخبر الأمير أنه أعجبني.
فأخذ النصابان في وصف التصميم وتحديد كل لون باسمه وكان الوزير ينصت ويحفظ ما يقولانه لكي ينقله حرفيا للإمبراطور!
بعد ذلك طلب النصابان مزيداً من المال ليستمرا في نسج القماش وكانا يضعان ذلك كله في جيوبهما بينما لم يستخدما خيطاً واحداً. وأرسل الإمبراطور شخصاً آخر لهما وقد فعلا مثل ما فعلاه مع الوزير وصدقهما.
وذهب الإمبراطور ليرى القماش مع المسؤولان اللذين أرسلهما من قبل وقالا له أليس رائعاً؟ فقال الإمبراطور في نفسه: (إني لا أرى شيئاً هل أنا غبي هل لا أصلح لأن أكون إمبراطوراً؟) ولم يشأ أن يكون كذلك فقال: (ياه إنه في غاية الجمال), ونصحاه أن يبادر في ارتداء هذه الملابس الرائعة فكافأ النصابين بالمال الوفير والأوسمة فحثاه على ارتدائها وقالا: (إنها خفيفة كنسج العنكبوت حتى تظن أنك لا ترتدي شيئا فهلا تفضلتم بنزع ملابسكم لنتمكن من إلباسكم الملابس الجديدة هنا أمام المرآة) خلع الإمبراطور
ملابسه كلها وتظاهر النصابان بأنهما يناولانه الملابس وقالا: إنه مقاسك تماماً إنه رداء ثمين!.
وقال كبير رجال المراسم الإمبراطورية: إنهم ينتظروك خارج القصر. رد الإمبراطور :نعم أنا جاهز أليست ملابسي تناسبني تماماً!.
أما خدم الإمبراطور ومهمتهم حمل ذيل ردائه فتحسسوا الأرض. بأيديهم وتظاهروا بأنهم يحملون ذيل الرداء. خرج الإمبراطور لشعبه وكل الشعب يهتفون إنه رداء رائع!، إلا أن طفلاً صغيراً قال: لكنه لا يرتدي شيئاً! قال أبوه: استمعوا لصوت هذا الطفل البريء. فهمس البعض للآخر: انه لا يرتدي شيئاً وفي النهاية هتف الجميع إنه لا يرتدي شيئاً. ارتجف الإمبراطور لأنه أدرك الصواب لكنه قال لنفسه لابد أن أتم مسيرة الموكب ثم تصرف على نحو أشد تكبراً ومن ورائه الخدم الذين يحملون ذيل الرداء الذي لم يكن موجوداً على الإطلاق!


 هانس كريستيان أندرسن (1805 -1875):

 أديب دنماركي ولد لأبوين فقيرين، فقد كان أبوه ماسح أحذية مُعدم، وأمه لا تحسن القراءة والكتابة، وتعمل في غسل وكي الملابس. وكانت الأسرة كلها تعيش في حجرة واحدة صغيرة في فقر مدقع.
 وقد أثر هذا الفقر كثيراً على شخصية اندرسون
، ووُصفت حياته المبكرة من قبل الدارسين بأنها كانت مليئة بالحزن الذي لا يبدده سوى والده الذي كان يقرأ له يومياً قصة في تمام الساعة الثامنة مساءً ينام على إثرها بمخيلة بدأت تنتعش يوماً بعد يوم.
الأمر الذي بذر في داخله حب " فن القص والروي " الذي تطوّر لاحقاً إلى منهج أدبي وفني أفضى به إلى كتابة قصص للأطفال واليافعين، تناول فيها حكايات الجن، والعفاريت في الأرض المسحورة التي حققت له لاحقاً نجومية لم يبزها أحد من أدباء الدنمارك السابقين أو اللاحقين.
في عام 1816 مات أبوه و كان على الولد الصغير أن يبدأ في كسب عيشه؛ فعمل صبياً لنساج "حائك"،
وعمل فيما بعد في مصنع للسجائر حيث كان زملاؤه في العمل يهينونه ويصفونه بالغريب الأطوار، لأنه كان أخرقاً، ويرتدي ملابس مهترئة.

التقى أندرسن بالصدفة بملك الدنمارك فردريك السادس الذي أبدى اهتماما بالفتى الغريب وألحقه بمدرسة ابتدائية  ودفع مصاريف الدراسة عنه.
 كان أندرسن قد نشر أولى رواياته حتى قبل أن يلتحق بالمدرسة الابتدائية،
وهي شبح قبر بالناتوك، عام 1822.
و بالرغم من كونه طالباً بليداً ومتأخراً
إلا أنه تابع دراسته في مدرسة في إلسينور حتى 1827، وهي فترة قال عنها فيما بعد أنها
  كانت
أحلك وأمّر سنوات حياته، حيث كان اضطر للعيش في منزل ناظر المدرسة، الذي أساء معاملته بحجة "صقل شخصيته".
توالت اعمال اندرسون الواحدة تلو الاخرى وقد حققت له شهرة عالمية، وهيأت له الطريق للولوج إلى القصور الملكية، وإلى النخب الثقافية الأوروبية.

ويكاد يجمع النقاد والدارسون لأدب أندرسون بأن كل القصص التي كتبها كانت تهدف إلى إضحاك الناس مقرونة برغبته الكبيرة في إدخال الفرحة إلى قلوبهم.
  وقد كتب هذه القصص أيضاً لأنه لم يكن يريد للأطفال أن يعيشوا الحياة المحزنة التي عاشها هو، كما أراد أن يملأ قلوب الأطفال بالأفراح والمسرّات. تميّز أسلوبه بنفس فكاهي مخادع
وماكر. وتعلّق به القراء في كل مكان حتى بعد وفاته
. وما زال الناس يتذكرونه في كل مكان، ويؤلفون عنه الكتب والسير الذاتية.
 
من اعماله:
* الملاك
* الجرس
* ملابس الملك الجديدة
* شجرة الحور
* الأسرة السعيدة
* طفلة عود الثقاب
* الحورية الصغيرة
* الطائر المغرد
* الأميرة و حبة الفاصوليا (أيضا: الأميرة الحقيقية)
* الحذاء الأحمر
* الظل
* أميرة الثلج
* جندي الصفيح
* قصة أم
* الراعي
* عقلة الأصبع
* فرخ البط القبيح
* الإوزات البرية
*بائعة الكبريت




Twitter Bird Gadget