المتحف في بلاد الأمير



كان هناك متحف واحد في بلاد الأمير، واحد لا ثاني له في ربوع البلاد.. كان المتحف يسمى ” متحف الأمير” وكما هو واضح من إسمه كان لشخص الأمير فقط.. كانت مقتنيات الأمير تُجمَع
وتُعرَض في هذ المتحف.

وخلاف مقتنيات كل الأمراء والملوك، الرؤساء والقادة التي غالباً ما تجمع وتعرض في المتاحف للذكرى والتاريخ بعد رحيلهم عن دنياهم وعن شعوبهم، فإن مقتنيات الأمير في بلاد الأمير كان قد خصص وعيّن لها، بأمر من الأمير نفسه، فريق عمل فريد ومتخصص في جمعها وعرضها في المتحف الوحيد في البلاد.. وهو مازال حياً وشاباً!

بدء الفريق مهامه بجمع وعرض كل مقتنيات الأمير القديمة: كتب ومصاحف، مجلات وجرائد، بنادق ومسدسات، سيوف رماح وخناجر، ملابس وأحذية، سيارات وطائرات، ساعات يدوية وصور فوتوغرافية، سبحة ونظارة، أقلام ودفاتر… كل شيء .. كل شيء كان الأمير قد إقتناه يوماً ولم يبتلعه الدهر.

وفي نهاية كل سنة، كان الفريق يقيم عرضاً خاصاً وجديداً في
“متحف الأمير” للمقتنيات التي تمّ جمعها في تلك السنة. فكان المواطنون في بلاد الأمير يأتون من كل فجّ في البلاد للزيارة والمشاهدة. كانت زيارة “متحف الأمير” إجبارية في البداية.. إجبارية على كل مواطن ومواطنة في بلاد الأمير، ثم ومع مرور الزمن تحولت إلى عادة وطقوس علّق بها عقل وقلب كل مواطن ومواطنة.

مرّت سنين وإنتهى الفريق من جمع وعرض كل مقتنيات الأمير القديمة…وحين لم يعد لديه ما يجمعه ويعرضه، بلّغ الفريق الأمير ” الفجوة” التي يواجهها ” متحف الأمير”
، فبشّر الأمير الفريق بأن الأمر بسيط ومحلول وبأن لديه مقتنيات كان يجمعها من قديم الزمان والتي سوف تسد الفجوة الحالية. فتوجه الفريق مسرعاً إلى القصر الأميرى وإستلم المقتنيات الجديدة من الأمير. كانت المقتنيات الجديدة كثيرة وكافية حيث إضطرّ الفريق إخلاء المتحف من كل المقتنيات القديمة. ثم طفق الفريق يقدم دعاية وتسويقاً لا مثيل لهما طوال السنة للمقتنيات الجديدة. فكان المواطنون في بلاد الأمير ينتظرون بفارغ الصبر نهاية السنة لرؤية تلك المقتنيات.

أخيراً إنتهت السنة وجاء يوم العرض والمشاهدة في ” متحف الأمير” كما جاء المواطنون من كل حدب وصوب في بلاد الأمير…
فتحت أبواب المتحف وإندفع الجمع الغفير من الشباب والشيوخ والنساء والأطفال نحو المقتنيات الجديدة… كان الكل قد تعود على أن يطبع قبلة على كل مقتنى من المقتنيات المعروضة أو على الأقل أن يلمسه بيده حين لا يسعفه الزمن والزحمة. لكن هذه المرة، وخلاف كل العروض السابقة، كان هناك أمر غريب؛ رائحة كريهة نتنة أخذت تفوح من كل أقسام المتحف. كانت الرائحة قوية…قوية للغاية بحيث شعر بها الزوار وهم على بعد كيلومترات من المتحف. وكان هناك زوار أخرون، مواطنون من نفس البلد ولكن من جنس أخر.. أسراب من الذباب كانت تحوم
حول، خارج وداخل المتحف، هي أيضاً جاءت منجذبة نحو المقتنيات الجديدة!

لكن كل هذا لم يمنع المواطنين المخدّرين بحب أميرهم عن الإقبال على المقتنيات الجديدة، فقد تزاحموا عليها في شغف ولهفة، حتى صرخ أحدهم ” يا له من أمير مضحى ومحبّ لشعبه… أنظروا بالله عليكم، إنه لم يبخل علينا شيئاً… فقد كلّف نفسه حتى بتخزين فضلاته من أجلنا!…حفظك الله ورعاك يا سمو الأمير وكثّرالله فينا أمثالكم” وهو يمطر القبلات والدموع على الأكياس البلاستيكية المعبأة بفضلات الأمير!
 
 

علي حسن جمعالي:
كاتب صومالي من مواليد مدينة عيلطير الصومالية.
درس الطب والعلوم الصحية. اختير مقاله حول المجاعة في العالم في المسابقة العالمية للكتابة الإبداعية للقضايا الأكثر إلحاحاً في العالم في العام 2009، والتي تنظمها منظمة(Concern) سنوياً. له مجموعة من القصص القصيرة ، وروايتان، ومقالات وكتابات أخرى لم تنشر بعد.
 
 

المغفّلة

للكاتب الروسي انطون شيخوف
 
منذ أيام دعوتُ الى غرفة مكتبي مربّية أولادي (يوليا فاسيليفنا) لكي أدفع لها حسابها.
- قلت لها : إجلسي يا يوليا … هيّا نتحاسب … أنتِ في الغالب بحاجة إلى النقود ولكنك خجولة إلى درجة انك لن تطلبيها بنفسك .. حسناً .. لقد اتفقنا على أن أدفع لك (ثلاثين روبلاً) في الشهر.
- قالت : أربعين
- قلت : كلا .. ثلاثين .. هذا مسجل عندي … كنت دائماً أدفع للمربيات (ثلاثين روبلاً) …
- حسناً
- لقد عملت لدينا شهرين
- قالت : شهرين وخمسة أيام
- قلت : شهرين بالضبط .. هذا مسجل عندي .. إذن تستحقين (ستين روبلاً) ..
نخصم منها تسعة أيام آحاد .. فأنت لم تعلّمي (كوليا) في أيام الآحاد بل كنت تتنزهين معهم فقط .. ثم ثلاثة أيام أعياد .
تضرج وجه (يوليا فاسيليفنا) وعبثت أصابعها بأهداب الفستان ولكن لم تنبس بكلمة
واصلتُ …
- نخصم ثلاثة أعياد إذن المجموع (إثنا عشر روبلاً) .. وكان (كوليا) مريضاً أربعة أيام ولم يكن يدرس .. كنت تدرّسين لـ

(فاريا) فقط .. وثلاثة أيام كانت أسنانك تؤلمك فسمحتْ لك زوجتي بعدم التدريس بعد الغداء .. إذن إثنا عشر زائد سبعة .. تسعة عشر .. نخصم، الباقي .. (واحد وأربعون روبلاً) .. مضبوط ؟
- إحمرّت عين (يوليا فاسيليفنا) اليسرى وامتلأت بالدمع، وارتعش ذقنها .. وسعلت بعصبية وتمخطت، ولكن … لم تنبس بكلمة
- قلت : قبيل رأس السنة كسرتِ فنجاناً وطبقاً .. نخصم (روبلين) .. الفنجان أغلى من ذلك فهو موروث، ولكن فليسامحك الله !! علينا العوض .. وبسبب تقصيرك تسلق (كوليا) الشجرة ومزق سترته .. نخصم عشرة .. وبسبب تقصيرك أيضا سرقتْ الخادمة من (فاريا) حذاء .. ومن واجبكِ أن ترعي كل شيء فأنتِ تتقاضين
مرتباً .. وهكذا نخصم أيضا خمسة .. وفي 10 يناير أخذتِ مني (عشرة روبلات)
- همست (يوليا فاسيليفنا) : لم آخذ
- قلت : ولكن ذلك مسجل عندي
- قالت : حسناً، ليكن
- واصلتُ : من واحد وأربعين نخصم سبعة وعشرين .. الباقي أربعة عشر
امتلأت عيناها الاثنتان بالدموع .. وظهرت حبات العرق على أنفها الطويل الجميل .. يا للفتاة المسكينة
- قالت بصوت متهدج : أخذتُ مرةً واحدةً .. أخذت من حرمكم (ثلاثة روبلات) .. لم آخذ غيرها

- قلت : حقا ؟ .. انظري وانا لم أسجل ذلك !! نخصم من الأربعة عشر ثلاثة .. الباقي أحد عشر .. ها هي نقودك يا عزيزتي !! ثلاثة .. ثلاثة .. ثلاثة .. واحد ، واحد .. تفضلي .
ومددت لها (أحد عشر روبلاً) ..
فتناولتها ووضعتها في جيبها بأصابع مرتعشة .. وهمست : شكراً
انتفضتُ واقفاً واخذتُ أروح وأجيء في الغرفة واستولى عليّ الغضب
- سألتها : شكراً على ماذا ؟
- قالت : على النقود
- قلت : يا للشيطان ولكني نهبتك .. سلبتك ! .. لقد سرقت منك ! .. فعلام تقولين شكراً ؟
- قالت : في أماكن أخرى لم يعطوني شيئاً
- قلت : لم يعطوكِ ؟! أليس هذا غريبا !؟ لقد مزحتُ معك .. لقنتك درساً قاسياً ..
سأعطيك نقودك .. (الثمانين روبلاً) كلها .. ها هي في المظروف
جهزتها لكِ !! ولكن هل يمكن أن تكوني عاجزة الى هذه الدرجة ؟ لماذا لا تحتجّين ؟ لماذا تسكتين ؟ هل يمكن في هذه الدنيا ألاّ تكوني حادة الأنياب ؟ هل يمكن ان تكوني مغفلة إلى هذه الدرجة ؟
- ابتسمتْ بعجز فقرأت على وجهها: “يمكن”
- سألتُها الصفح عن هذا الدرس القاسي وسلمتها ، بدهشتها البالغة، (الثمانين روبلاً) كلها .. فشكرتني بخجل وخرجت
تطلعتُ في أثرها وفكّرتُ: ما أبشع أن تكون ضعيفاً في هذه الدنيا.



أنطون بافلوفيتش تشيخوف (1860 - 1904):
 طبيب وكاتب مسرحي ومؤلف قصصي روسي كبير ينظر إليه على أنه من أفضل كتاب القصص القصيرة على مدى التاريخ، ومن كبار الأدباء الروس. كتب المئات من القصص القصيرة التي اعتبر الكثير منها إبداعات فنية كلاسيكية، كما أن مسرحياته كان لها تأثير عظيم على دراما القرن العشرين. بدأ تشيخوف الكتابة عندما كان طالباً في كلية الطب في جامعة موسكو ولم يترك الكتابة حتى أصبح من اعظم الادباء واستمر أيضاً في مهنة الطب وكان يقول " ان الطب هو زوجتي والأدب عشيقتي".





ملخص رواية مرتفعات وذرينغ

 

تحتوي مرتفعات ويذرينج على منزلين فقط، وهي مكان جميل جداً ومنعزل في الريف الانجليزي، ولكنه معزول عن العالم، يقطن في المنزل الأول عائلة ايرنشو (السيد والسيدة ايرنشو، وولداهما كاثرين وهندلي ). وفي المنزل الثاني الجرانج الذي كان طقسه ربيعياً جميلاً على الدوام كانت تقطنه عائلة لينتون وتتألف من (السيد والسيدة لينتون، وولداهما ادغار وإيزابيل )، بالإضافة للخدم.

تبدأ الأحداث حين يسافر السيد ايرنشو إلى عمل في المدينة، ويجد طفلاً صغيراً جائعاً يتيماً ومتشرداً في الطرقات، فيصطحبه إلى المنزل ليتبناه، ومنذ اليوم الأول كره الجميع هيثكليف (وهو الاسم الذي أطلقه السيد ايرنشو عليه)، اعتبر هندلي أن هيثكليف يأخذ مكانه في قلب أبيه فيغار منه ولا يتوقف عن القاء صنوف العذاب عليه، أما كاثرين فقد استأنست به وأصبح صديقها المفضل، فكانا يقضيان الوقت في اللعب والمرح في المروج .

و كلما ساءت معاملة هندلي لهيثكليف، يصبح هيثكليف محبوباً
أكثر لدى السيد ايرنشو، ويعاقب هندلي على أفعاله، وحين ماتت السيدة ايرنشو، قرر السيد ايرنشو أن يرسل هندلي إلى مدرسة عسكرية نتيجة لسوء سلوكه ومعاملته لهيثكليف.

كان هيثكليف ولداً بريئاً ولم يقلل من إحترام أحد في المنزل رغم إساءتهم إليه، وكان يرد على إساءات هندلي بالصمت، وخلال تواجده هناك نَعِمَ بحب واهتمام السيد ايرنشو، ودرس جنباً إلى جنب مع كاثرين التي توازيه سناً.

وحين توفي السيد ايرنشو، تغيرت كل معادلات البيت، يعود هندلي الذي كان قد بلغ العشرين من العمر إلى البيت وهو متزوج بامرأة جميلة راقية ولطيفة مع الجميع، بعد أن تلقى أسوأ المعاملات في المدرسة العسكرية، وطبعاً دون أن ينسى أن هيثكليف هو سبب ذهابه إليها، فيقوم حالاً بفصل هيثكليف عن الدراسة، ونقله إلى مرتبة الخدم ويحرمه من رؤية كاثرين التي تعلق بها كثيراً.
تُحبَس كاثرين في غرفتها وتستيقظ وهي لا تعي شيئاً مما يحدث، فوالدها توفي وهيثكليف أُخِذ بعيداً عنها، وهذه الحادثة التي تنساها كاثرين تماماً تعود إلى ذاكرتها فيما بعد وتتسبب في جنونها.

شيئاً فشيئاً يتحول هيثكليف الذي بلغ 15 من العمر إلى شاب قذر سيء الطباع بسبب أعماله في المزرعة، نظراً لسوء المعاملة والعنف الجسدي الذي يتلقاه من هندلي باستمرار، ويتحول هيثكليف إلى حيوان شرس لم يتبق في قلبه أي أثر من الإنسانية، وفشلت كل محاولات الخادمة في جعله يتغير. لكن الشيء الوحيد الذي ظل محور حياته هي كاثرين التي كان يحبها أكثر من نفسه. 


ورغم أن هندلي شقيق كاثرين كان يمنعها من التحدث إلى هيثكليف و يعاقبها حين تقابله، إلا أنهما كانا كثيراً ما يخرجان معاً، يتجولان
ويمرحان في الحقول، وقد كانت طباع كاثرين شبيهة جداً بطباع هيثكليف، فقد كانت فتاة أنانية برية وعنيدة، تَستفِز كل من حولها ولا تظهر صفات البنات الراقيات من بنات جيلها.

تتزوج كاثرين من ادغار لينتون صديق أيام الطفولة لنفوذه وثروته وبعد اصرار من هندلي لكي يبعدها عن "الخادم
هيثكليف" ، لكن يبقى حب هيثكليف مسيطراً عليها. أما إدغار فشخصيتة هي شخصية السيد الهادئ والراقي، يحب كاثرين بشدة ويعاني هو أيضاً من حبه لها ومن صداقتها لهيثكليف. الا أن هذا الزواج المفاجئ يحطم قلب هيثكليف الى الابد.

بعدها يتقرب هيثكليف من ايزابيلا لينتون شقيقة ادغار الصغرى، حيث تُخدع بشخصيته خاصة بعدما يعود غنياً من غربة طويلة. فيتزوجها فقط كي يحطمها هي وعائلتها ولينتقم خاصة من أخيها الذي تزوج كاثرين.
وبسبب القسوة والحقد والشراسة التي يتعامل بها هيثكليف مع الآخرين وسوء المعاملة لها تستطيع ايزابيلا في النهاية أن تهرب من المنزل وتعيش مع ابنها لينتون بعيداً عن الأخرين إلى ان تموت فيعود لينتون الى والده هيثكليف.

تموت كاثرين ايرنشو حبيبة هيثكليف اثناء ولادتها لابنتها الجميلة كاثرين لينتون ابنة غريمه إدغار لينتون. تعيش طفولة سعيدة نسبياً مع والدها دون أن تعرف أي شيء عن تاريخ أسرتها المظلم، إلى أن تقع في حب لينتون هيثكليف، لكنها سرعان ما تكتشف أنه كان يخادعها بأمر من والده بهدف الحصول على ثروتها، الا انها تتزوج منه مرغمة بعد حبسها وتهديدها.

بعد وفاة زوجة هندلي أصبح سكيراً ومدمناً على القمار حيث خسر

ثروته وأملاكه لصالح هيثكليف. لكن يأتي في النهاية هيثكليف ليسدد عنه ديونه ويسمح له بالبقاء في البيت امعاناً في اذلاله والإساءة اليه. ويتبنى ابنه هاريتون إرينشو ويسيء معاملته جداً انتقاماً من المعاملة السيئة التي كان يلاقيها هو من والده هندلي.

بعد أن سمم حياته بالحقد على الآخرين، وبعد أن سمم حياة كل من حوله، وقبل أن يسيطر على أموال العائلتين ايرنشو ولينتون، يموت
هيثكليف ثم يموت ابنه الضعيف الشخصية لينتون.
ليرتبط هاريتون وكا
ثرين بالرباط المقدس وتعود أملاك الأسرتين لأولادهما.
 في الوقت الذي أُشيع أن هناك شبحاً يتجول في المنطقة في الليالي الممطرة والمظلمة في الحقول وقرب الكنيسة!



إيميلي برونتي 1818 - 1848 :

روائية وشاعرة بريطانية. ولدت في مقاطعة يوركشاير من أبوين فقيرين. تبقى إميلي برونتي شخصية غامضة وتحدياً لكتّاب السيرة لأن المعلومات عنها ضئيلة ومتفرقة، نظراً لطبعها الانفرادي

وكونها منعزلة نوعاً ما، كما لا يبدو عليها انها من النوع الذي لديه أصدقاء خارج العائلة.

الظروف هي التي عززت ميولها إلى العزلة، انها نادراً ما عبرت عتبة المنزل. على الرغم من أنها كانت تحمل الخير للآخرين، إلا أنها لم تكن تختلط معهم.

كانت برونتي تبلغ من العمر ثلاثة سنوات عندما وافى الاجل والدتها المريضة. بينما ارسلت الأخوات الأكبر سناً ماريا واليزابيث وشارلوت إلى مدرسة للبنات حيث عانين من سوء معاملة وجوع وحرمان ظهر ذلك جليا في كتاب شارلوت جين أير.

التحقت اميلي في المدرسة بعد فترة قصيرة من ذلك. وبعد أن اجتاح مرض التيفوس المدرسة اصيبت كلا الاخوات ماريا واليزابيث بالمرض ذاته وارسلوا إلى البيت حيث توفيت ماريا هناك. ونتيجة لذلك ابعدت برونتي عن المدرسة خوفاً من انتشار وتفشي العدوى. توفيت اليزابيث بعد فترة قصيرة من وفاة اختها الأكبر شارلوت. وبقيت برونتي وثلاثة من اخواتها واخيها باتريك حبيسين المنزل حيث تلقوا التعليم على يد عمتهم اليزابيث. وفي اوقات الفراغ كانت الاخوات يستمتعن بخلق الروايات واستيحائها من عالم الدمى والالعاب التي كانوا يلهون بها.
توفيت وهي بعمر الثلاثين بعد فترة قصيرة من وفاة أخوها.
تشتهر برونتي بروايتها الوحيدة مرتفعات ويذرنغ التي تُعتبر من كلاسيكيات الأدب الإنكليزي.


مأمور المحطة

 قصة من الأدب الألماني ل اميليو كارير.
ترجمة: د.سعدي الدبس


كان الدكتور غريمل الأخصائي المشهور بأمراض الأطفال كثيراً ما يكون شارد الذهن، حتى أنه في إحدى المرات، عندما كان يركب قطار الخامسة وأربعين دقيقة بعد منتصف الليل، راجعاً من إحدى زياراته في الشمال، وقع ضحية هذا الشرود، وجره حظه السيء إلى قضاء ليلته في إحدى القرى النائية "أنتانون".

كان البرد في تلك الليلة قارصاً جداً، وبما أن القطار توقف في محطة "انتانون" لمدة خمسة عشر دقيقة، خطر على بال الدكتور غريمل أن يتناول فنجان قهوة مع الحليب، فنزل من القطار دون

أن يرافقه أحد، وتوقف لحظة عند بائع الصحف لشراء مجلة تساعده قراءتها على وقت الانتظار الممل، ثم توجه إلى مقهى المحطة الذي كان خالياً تماماً من الضيوف، إلاّ من صاحبة المقهى التي جلست ملفوفة بالسواد بجانب المدفأة، وكأنها تريد أن تقهر البرد القارص. ولم تنتبه باديء الأمر إلى دخول الضيف، وما أن شعرت بوجوده حتى نادت النادل بأعلى صوتها، الذي جاء مسرعاً يمسح عينيه المتورمة من شدة النعاس. وقد خيّل للدكتور غريمل وكأن المقهى مليءٌ بحيوانات متذمرة، وتمنى لو أن الزمن لا يقف عن المسير حتى لا يضطر إلى قضاء ليلته هناك، ولكنه عندما رفع عينيه إلى ساعة الحائط الكبيرة، سمع ضرباتها الواضحة تملؤ سكون المكان.

أخذ يشرب قهوته وهو يقلب صفحات المجلة، وفجأة اندمج في قراءة إحدى المقالات المشوقة، حتى أنه لم يسمع صفارة إعلان

بدء سفر القطار، أو ربما أن مأمور المحطة لم يعطِ الإشارة الخاصة لذلك. فعندما انتهى الدكتور غريمل من القراءة كانت الساعة تشير إلى تجاوزها سبع دقائق من زمن الانتظار، فنادى النادل الذي كان نائماً في إحدى زوايا المقهى، والذي احتاج إلى بعض من الوقت قبل أن يلبي النداء، ثم غادر المقهى، وعندما وصل إلى رصيف المحطة تجهم وجهه، لأنه لم يدري كيف أضاع القطار.

كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل بكثير، ولم يتواجد في المحطة غير الدكتور غريمل، وحتى الصباح لنِ يأتي قطار آخر، فاستسلم لقدره، وجلس على أحد المقاعد، حيث ساد المكان الظلام الدامس والبرد الشديد، ما عدا من مصباح كهربائي كان يرسل نوراً خافتاً
من سقف المحطة لم يستطع القراءة عليه، فأشعل غليونه، وأخذ ينتظر على مذاق التبغ موعد قطار الصباح بعد أربع ساعات قادمة. وبينما كان مسترخياً في جلسته هذه رأى النادل يتحدث مع مأمور المحطة، وبين حين وآخر كانوا يشيرون إلى المقعد الذي كان يجلس عليه، ثم توجه مأمور المحطة نحوه.

يا دكتور "إنني أبحث عنك، تعال معي من فضلك، إن حفيدتي ترقد على فراش الموت". فنظر الطبيب إلى وجه الرجل مستغرباً، حيث أنه لم يشاهده من قبل، فسأله "هل تعرف من أنا".

"لقد قلت لك إنني أبحث عنك في كل مكان، وإنني متأكد تماماً، بأنك الشخص الوحيد الذي يستطيع إنقاذها، فأرجو أن تتبعني من فضلك، إن كل لحظة ثمينة".

فأسرع الدكتور غريمل خلف الرجل، وكأنه كان فرحاً لفقدانه القطار، وكأنه يبارك تلك الليلة التي ستدفعه إلى إنقاذ حياة طفلة من مخالب الموت، رغم تعبه، فأنار النادل الذي رافقهم الطريق مشعلاً لينير لهم ظلام الطريق الذي ساد المكان. أما مأمور المحطة فقد خطا أمامهم بخطوات واسعة بسهولة، رغم كبر سنه، ولم ينبس بكلمة واحدة.

بعد نصف ساعة من المسير وصلوا إلى مقبرة القرية التي أُحيطت بأسوار بيضاء، ظهرت بكل وضوح تحت نور المشعل، وعلى طرفها كان يقع كوخ صغير بانت عليه علامات البؤس والفقر،
وأحيط بصمت موحش. فدخل مأمور المحطة العجوز أمامهم، مشيراً لهم أن يتبعوه، وفي الداخل كانت علامات الفقر أكثر شدة، إذ جلست إمرأة تلبس السواد على حافة سرير الطفلة المريضة، بينما سرير آخر كان في الطرف الآخر من الغرفة، وبين السريرين عُلّقت صورة فوتغرافية على الحائط لمأمور المحطة العجوز.

كان وجه المريضة شاحباً يميل إلى الزرقة، وعلى شفتيها ظهرت ملامح الموت، فمما لا شكَ فيه كانت حالة الطفلة خطيرة جداً. فسأل الدكتور غريمل المرأة بالسواد إذا كانت الطفلة ذهبت لطبيب ما، فأجابت، "كلا يا سيدي، إنها ومنذ البارحة ترقد في مثل هذه الحالة، وقد خُيّل لي، في بداية الأمر، أنها مصابة بالحمّى، ولكن هذه الليلة، وقبل ساعة من الآن، ازدادت حالتها خطراً، حتى اعتقدت بأنها ستموت بين يدي".

– "لقد جئت إذاً في الوقت المناسب، وسأعمل لها عملية في الحنجرة الهوائية، ولحسن الحظ يوجد معي الأدوات الضرورية
لذلك، لأنني كنتُ قبل ذلك عند مريضة مصابة بنفس الداء". وفي نفس الوقت أخذ الدكتور غريمل يفكر في المقال الذي قرأه في مقهى المحطة، حيث وجد نفسه يتفق مع كاتب المقال، بأن القدر ليس لعبة في أيادي الأيام. وبينما كان يشق الحنجرة الهوائية، أراد من مأمور المحطة أن يحضر له بعض الأدوية الضرورية من صيدلية القرية، غير أنه لم يجد غير النادل، فقال له، "أخبر من فضلك الرجل الطيب الذي رافقني إلى هنا أن يُحضر لي قائمة هذه الأدوية"، فنظرت المرأة بالسواد، وقد ظهرت على وجهها علامات إستفهام، ثم قالت، "لا أدري يا سيدي من رافقكِ إلى هنا، فأنا وحيدة في هذا المنزل الذي يبعد حوالي ميلين من القرية، ولسوء الأحوال الجوية، لم يمر أحد اليوم من هنا".

– إن جد الطفلة هو الذي طلب مني أن أحضر إلى حفيدته المريضة، ثم نظر إلى النادل، وقال له، "أليس كذلك"، ولكن النادل أجابه مستغرباً، "إنني لم أرى أحداً، يا سيدي، كل ما أعرفه، أنك نطقت ببعض الكلمات الغامضة، وخيل لي أنك تبحث عن مكان للنوم، وبما أنك لم تعرف الطريق، أنرتُ أمامك مشعلاً، ورافقتك إلى هناك".

– "إذا كان الأمر كذلك، فكيف عرفت، أن في هذا المنزل بالذات مريضة تحتاجني"، ثم أشار إلى الصورة المعلقة على الحائط، وقال، "إن هذا الرجل هو الذي رافقني إلى هنا".

فنظرت المرأة إلى الطبيب، وكأنها لم تفهم شيئاً مما قيل، وأجابت بصوت مرتعش، "يا سيدي، إن هذه الصورة هي صورة والدي، وقد كان بالفعل مأموراً للمحطة، ولكنه توفي قبل خمسة أعوام في مثل هذا اليوم".

فنظر الدكتور غريمل إلى الصورة مرة أخرى، المعلقة بين السريرين، وكأنها تراقب قدر العائلة، ثم تمتم لنفسه بعض الكلمات، "إنني متأكد تماماً بأن هذا الرجل هو الذي رافقني إلى هنا، وبما أنه توفي قبل خمسة أعوام، فإنني متأكد أكثر من أي وقتٍ مضى، بأنه أحضرني إلى هنا لإنقاذ حياة هذه الطفلة.

لم يفكر الدكتور غريمل مطلقاً بمغادرة القرية وبأخذ قطار الصباح، بل ظل عدة أيام عند الطفلة حتى تحسنت حالتها، وكأنه أراد من ذلك أن يقدم واجبه أمام الرجل الذي رافقه إلى هذا البيت الذي أصبح قريب منه طيلة المدة التي قضاها في "أنتانون".

Twitter Bird Gadget