النجمة...

قصة من الأدب الأسكتلندي للكاتب: السدير غراي
ترجمة: عامر هشام الصفار

سقطت نجمة خلف الأفق. قد يكون ذلك ما حدث في كندا (خالته ساكنة في كندا). ونجمة ثانية سقطت قريبة عليه، في الجانب الآخر من المدينة، فلم يكن غريباً أبداً ان تسقط نجمة ثالثة في حديقة بيته الخلفية. أنبهر بضوء ذهبي رآه ينعكس على جدار
البيت وصوت موسيقى خفيض يطرق مسامعه. الضوء تحوّل الى اللون الأحمر القاني ثم أختفى فحدس أن الهواء الليلي هذا يبرّد النجمة ويطفيء حرارتها. مدّ رأسه من الشباك فأدرك أن لا أحد قد أنتبه لما حصل. الكل مشغول في البيت هذه الليلة. تنحنح الصبي وقال: سأخرج للحديقة لبعض الوقت. ردّت الأم: لا تتأخر.. أتسمعني؟.
درجات السلّم باردة ومصباح كهربائي خافت بالكاد يضفي على المكان نوره. ظلّ يبحث عنها يمنة ويسرة، يمشّط الحديقة شبراً شبرا. وجدها تتوسط أوراق نبات مصفّر، ناعمة ومدورّة، بحجم كرة زجاجية تشّع ضوءا فتبدو كأنها تنام على قطعة من قذيفة خضراء وصفراء من الطراز الأول. لمسها..رفعها.. كانت دافئة، ملأت باطن كفه ضياءا. وضعها في جيبه وعاد الى غرفته. ظلّ ينظر أليها طوال تلك الليلة. يفتح كفيه من تحت غطاء سريره ويحدّق فيها. النجمة تبقى تشّع بياضاً وزرقة جاعلة الفضاء المحيط به ككهف داخل قطعة من جليد. ظلّ الصبي ينظر بعمق فرأى أمواجاً بلون الأزرق-الأسود تحت سماء تملؤها مجرّات عظيمة. نام هو والنجمة راقدة في كفّه بهدوء.
ظلّ متمتعاً مع نجمته لمدة تقرب من أسبوعين. ينظر أليها كل ليلة من تحت غطائه، فيرى مرة قمراً, ويرى وروداً ومجوهرات وحقول واسعة. لم يشأ في البداية أن يأخذها معه في النهار، ولكنه أخذ يشعر أن نجمته الجميلة تعطيه الشعور بالثقة والراحة وهي في جيبه بشكلها الدائري الناعم خاصة عندما يكون وحيداً.


قرّر ذلك النهار وهو في المدرسة أن ينظر في عيني نجمته. هو في مؤخرة الصف في كرسي خاص به وحده. المعلم مع بقية التلاميذ في المقدمة مطأطأي الرؤوس على كتب أمامهم. خطف الصبي نظرة سريعة الى النجمة فرأى عيونها المتعبة مع بؤبؤها الأخضر غير الواضح، كأنه مغطى بالمياه.
-ماذا في يديك يا كاميرون؟
تنبه الصبي فضّم يديه قافلا على نجمته.
-الكرات الزجاجية (الدعابل) في ساحة اللعب وليس في صفوف المدارس. من الأفضل لك أن تسلّمني أياها.
-لا أستطيع يا سيدي.
-لا أحتمل عدم الطاعة هذا منك يا كاميرون.. أعطني أياها.
رأى الصبي وجه معلمه الصارم. أدرك فجأة ما يجب عمله، فوضع النجمة في فمه وبلعها!. شعر براحة كبيرة رقص لها 
قلبه.

الدهشة عقدت لسان المعلم. هذا المعلم والصف والعالَم تحوّل الى خيط أسود حار، تاركاً وراءه نجوماً لامعة براقة، كان الصبي واحدا منها.


السدير غراي Alasdair Gray (مواليد1934- غلاسكو):
يتميز الكاتب الأسكتلندي الكبير السدير كري بأسلوبه الواقعي-
الخيالي العلمي والفنتاستيكي. وهو فنان يرسم لوحات خاصة بقصصه محاولاً المزج بين لغة شاعرية ولوحات فنية رائعة تبدعها ريشته فتفيد وتغني.
اولى أعماله رواية Lanark نشرها عام 1981 واستغرقت كتابتها ثلاثون عاماً، وهي تعد من كلاسيكيات القرن العشرين.

No comments:

Post a Comment

Twitter Bird Gadget