اسمي "العم أحمد"عندي مخبز صغير في حي شعبي منذ أكثر من 30 سنة. رائحة الخبز الساخن هي كل حياتي. رأيت أجيالًا تكبر أمام مخبزي.
أنا لست فقط أبيع الخبز... أنا أنظر أيضًا إلى وجوه الزبائن.
كنت ألاحظ رجلًا عجوزًا، لباسه مهندم جدًا ولكنه قديم، يأتي كل يوم الساعة 2 بعد الظهر. يقف بعيدًا عن الزحمة، ينظر إلى الخبز المعروض، ويفرك في جيبه كأنه يعد عملات معدنية، ومن ثم يمشي دون أن يشتري.
وجهه كان يقول حكاية "عزة نفس" تصارع "الجوع".
وفي يوم، قررت أن أعمل خطة. انتظرته عندما جاء ووقف نفس الوقفة. ناديت عليه بصوت عال ومرِح: يا أستاذ! يا حاج!.. نعم أنت... مبروك.
الرجل تفاجأ ونظر حوله: أنا؟
قلت له: نعم... أنت الزبون رقم 100 اليوم، وهذا معناه أن لك عندنا ربطتين من الخبز هدية، وكيس أقراص بالعجوة.
احمر وجهه وقال بصوت منخفض: بس أنا لم اشتر شيئًا.
قلت له بسرعة: هذه قواعد المسابقة يا حاج. الهدية للذي يدخل المحل رقم 100 سواء اشترى أو لا. تفضل لكي لا تقف بالطابور.
أخد الكيس وهو يرتعش، وعينه دمعت وهو يبتسم.
من اليوم هذا، أصبحتُ أعمل "مسابقات" وهمية كثيرة.
مرة "بمناسبة ذكرى افتتاح المحل"، ومرة "لأن العجين زاد عندنا"...
بدأت ألاحظ أرامل، وطلبة مغتربين، وعمال باليومية.
إلى أن حصلت المفاجأة.
زبونة دائمة، دكتورة في الجامعة، رأتني وأنا أعطي "الهدية الوهمية" لطالب.
وبعدما غادر الطالب، اقتربت مني ووضعت مبلغًا من المال على الطاولة.
قالت لي بابتسامة: عم أحمد... أنا أريد الدخول في مسابقة الزبون رقم 100 هذه. ابق هذا المبلغ عندك، وكل ما يأتي أحد "محتاج" ولا يقدر أن يدفع، اعتبره فاز في المسابقة.
ومن هنا بدأت فكرة "الرغيف المعلق".
عملت سبورة صغيرة داخل المخبز وكتبت عليها "يوجد اليوم 50 رغيف مدفوع مقدمًا لمن يحتاجه، اطلب أمانتك ولا تخجل".
الموضوع كبر...
الناس أصبحت تأتي وشتري بـ 10، وتبقي 5 زيادة، وتقول "ضعها على السبورة".
أطفال يأتون ويضعون باقي مصروفهم.
حتى العمال أصبحوا يتنازلون عن جزء من يوميتهم للسبورة.
لم يعد المخبز مجرد مكان يبيع دقيق وماء. أصبح "بنك كرامة".
الرجل العجوز (عرفت فيما بعد أنه كان موجه لغة عربية متقاعدًا) أصبح يأتي يأخذ نصيبه من "السبورة" وهو رافع رأسه، لأنه يعرف أن هذا ليس صدقة مني، هذه "هدية" من مجتمع متكامل يشعر به.
قبل أن يموت بشهر، أتاني وأحضر لي كتابًا قديمًا ونادرًا جدًا.
قال لي: أنا ليس لدي مال أرد لك الذي عملته لي، لكن الكتاب هذا أغلى ما أملك. خليه معاك.
فتحت الكتاب وجدت إهداء مكتوبًا بخط يده المرتعش "إلى العم أحمد... الذي يخبز الحب قبل الخبز. شكرًا لأنك لم تجعلني أنام جائعًا، ولم تجعلني أنام مكسورًا".
انتهى كلامه...
أنا كبرت وأولادي هم الآن يديرون المخبز. ووصيتي لهم كانت واضحة "المخبز هذا بابه لا يغلق في وجه جائع، والسبورة هذه أهم من الخزنة".
لأننا اكتشفنا أننا لا نطعم الناس خبزًا فقط. نحن نطعمهم "إحساسًا" أن الدنيا ما زالت بخير.
لا يوجد مؤلف محدد معروف لهذه القصة، إذ تبدو كحكاية شعبية مصرية حديثة أو "قصة وعبرة" مجهولة المصدر.
أقدم المنشورات المتاحة لقصة "العم أحمد" على وسائل التواصل تعود إلى 22 ديسمبر 2025 على فيسبوك، بواسطة صفحة gehad419، حيث نشرت النص الكامل تقريبًا مع مقدمة "مما قرأت وأعجبني".
ولا يوجد دليل واضح على نشر سابق قبل هذا التاريخ في نتائج البحث، مما يجعلها المرشح الأقرب للأول.



No comments:
Post a Comment