للكاتب الارجنتيني: خورخي لويس بورخيس
السطر يتكون من عدد لامتناه من النقاط؛ والمخطوط، من عدد لامتناه من السطور؛ والكتاب المجلد، من عدد لا متناه من الصفحات؛ والسفر، من عدد لامتناه من الكتب المجلدة...
لا، حتماً، ليس هناك، أكثر تخطيطاً، وأفضل طريقة للشروع في كتابة قصتي. لقد غدا اتفاقاً اليوم الإقرار بأن كل قصة عجائبية هي قصة حقيقية؛ و مع ذلك فقصتي أنا حقيقية.
أعيش بمفردي، في الطابق الرابع من عمارة بشارع "بيلغرانو". حدث ذلك منذ أشهر، ذات مساء، سمعت طرقاً على بابي. فتحت فدخل شخص غريب . كان شخصاً جسيماً، ذا ملامح غير مضبوطة. ربما قصر بصري هو الذي جعلني أراه على تلك الشاكلة. مظهره كله كان يعكس فاقة محتشمة. يرتدي لباساً رمادي اللون ويحمل في يده حقيبة. أدركت للتو أنه شخص غريب.
في البداية اعتبرته عجوزاً؛ فيما بعد تأكدت من أنني أخطأت من خلال شعر رأسه المشتت، الأشقر، الذي يكاد يكون أبيض، مثل ما هو عند أهل الشمال. خلال حوارنا ، الذي لم يستغرق أكثر من الساعة، عرفت أن أصله يعود إلى الأوركاديين.
قدمت إليه كرسياً، ترك الرجل لحظة تمر قبل الكلام. كان ينبثق عنه نوع من الكآبة، مثلما أنا عليه الآن.
ـ إنني أبيع الأناجيل،
قال لي.
أجبته من غير ادعاء المعرفة:
ـ توجد عندي هنا العديد من الأناجيل الإنجليزية، بما فيها أول إنجيل،
لا، حتماً، ليس هناك، أكثر تخطيطاً، وأفضل طريقة للشروع في كتابة قصتي. لقد غدا اتفاقاً اليوم الإقرار بأن كل قصة عجائبية هي قصة حقيقية؛ و مع ذلك فقصتي أنا حقيقية.
أعيش بمفردي، في الطابق الرابع من عمارة بشارع "بيلغرانو". حدث ذلك منذ أشهر، ذات مساء، سمعت طرقاً على بابي. فتحت فدخل شخص غريب . كان شخصاً جسيماً، ذا ملامح غير مضبوطة. ربما قصر بصري هو الذي جعلني أراه على تلك الشاكلة. مظهره كله كان يعكس فاقة محتشمة. يرتدي لباساً رمادي اللون ويحمل في يده حقيبة. أدركت للتو أنه شخص غريب.
في البداية اعتبرته عجوزاً؛ فيما بعد تأكدت من أنني أخطأت من خلال شعر رأسه المشتت، الأشقر، الذي يكاد يكون أبيض، مثل ما هو عند أهل الشمال. خلال حوارنا ، الذي لم يستغرق أكثر من الساعة، عرفت أن أصله يعود إلى الأوركاديين.
قدمت إليه كرسياً، ترك الرجل لحظة تمر قبل الكلام. كان ينبثق عنه نوع من الكآبة، مثلما أنا عليه الآن.
ـ إنني أبيع الأناجيل،
قال لي.
أجبته من غير ادعاء المعرفة:
ـ توجد عندي هنا العديد من الأناجيل الإنجليزية، بما فيها أول إنجيل،
إنجيل "جون ويكليف". عندي أيضاً إنجيل"سيبريانو دي فاليرا"، وإنجيل "لوتير"، الذي هو من الناحية الأدبية الأكثر سوءاً، و أيضا نسخة بلاتينية "فولكات". وكما ترى ، فليست الأناجيل بالضبط هي ما ينقصني.
بعد لحظة صمت رد علي قائلاً:
ـ أنا لا أبيع الأناجيل فقط بإمكاني أن أريك كتاباً مقدساً قد يفيدك ربما اشتريته من حدود "بيكانير".
فتح حقيبته ووضع الكتاب على الطاولة. كان عبارة عن مجلد
بعد لحظة صمت رد علي قائلاً:
ـ أنا لا أبيع الأناجيل فقط بإمكاني أن أريك كتاباً مقدساً قد يفيدك ربما اشتريته من حدود "بيكانير".
فتح حقيبته ووضع الكتاب على الطاولة. كان عبارة عن مجلد
ضخم مغلف بالقماش. لا شك أنه مر عبر أياد كثيرة. فحصته؛ فاجأني ثقله المخالف للمألوف. قرأت على ظهره في الأعلى "الكتابة المقدسة" وفي أسفله "بومباي".
ـ قد يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر، قلت معاينا الكتاب.
ـ لا أعرف، لم أعرف ذلك أبداً، رد الرجل.
فتحته كيفما اتفق. كان الخط غريباً علي. والصفحات، التي بدت لي متآكلة إلى حد ما، كانت ذات طباعة هزيلة، مثبتة على عمودين على غرار إنجيل. المتن كلماته جد متقاربة فيما بينها ومرتبة على شكل آيات. وفي الزاوية العليا للصفحات أدرجت أرقام باللغة العربية. أثار انتباهي أن صفحة زوجية كانت تحمل، على سبيل المثال، الرقم 40514 والصفحة الوترية، التي تتبعها، الرقم 999. قلبت هذه الصفحة؛ على الظهر يتضمن ترقيم الصفحات ثمانية أرقام. كانت موشاة برسم صغير، كالذي نجده في القواميس: مرساة مرسومة بالريشة، كما لو كانت بيد طفل صغير غير حاذقة.
حينذاك قال لي الرجل الغريب:
ـ أنظر إليه جيداً. لن تراه بعد الآن أبداً.
كما لو كان في هذا التوكيد نوع من الوعيد ، لكن ليس في النبرة.
أشرت مكانه بالضبط داخل الكتاب ثم أغلقته. وسرعان ما أعدت فتحه. بحثت عن رسم المرساة، صفحة صفحة لكن بدون جدوى. ولكي أداري دهشتي، قلت له:
ـ يتعلق الأمر بنسخة من الكتابة المقدسة في لغة من لغات الهنود، أليس كذلك؟
ـ لا، رد قائلاً.
ثم، خافضاً صوته كما لو أنه يريد أن يبوح لي بسر:
ـ اشتريت هذا المجلد من بلدة من بلدات السهل، مقابل بعض الروبيات وإنجيل. لم يكن مالكه يعرف القراءة. أظن أنه اعتبر الكتاب تعويذة. مِلك الطبقة الشعبية الأكثر دونية؛ لا يستطيع أحد، السير على ظله دون أن يصاب بأذى. قال لي إن كتابه يسمى كتاب الرمل، ذلك لأن لا الكتاب ولا الرمل لهما بداية و نهاية.
وطلب مني أن أبحث عن الصفحة الأولى.
وضعت يدي اليسرى على الغلاف وهممت بفتح المجلد بإبهامي مضموماً إلى الخنصر. حاولت جاهداً دون جدوى: كانت صفحات تلصق بين إبهامي والغلاف، كما لو أنها تخرج من الكتاب لوحدها.
ـ الآن ابحث عن الصفحة الأخيرة.
باءت محاولاتي مرة أخرى بالفشل؛ وبالكاد تلعثمت بصوت لم يكن صوتي:
ـ هذا مستحيل.
ودائماً بصوت خفيض قال لي بائع الأناجيل:
ـ هذا مستحيل بيد أنه كذلك.عدد صفحات هذا الكتاب هي بالضبط لامتناهية. لا واحدة منها هي الأولى ولا واحدة منها هي الأخيرة.
لا أعرف لماذا هي مرقمة بهذه الطريقة الاعتباطية. ربما لإفهام الآخرين بأن مركبات سلسلة لامتناهية ممكن أن تكون قطعاً مرقمة بطريقة عشوائية.
بعد ذلك وكما لو أنه كان يفكر بصوت عال، أضاف:
ـ إذا كان الفضاء لامتناه، فنحن نتواجد في نقطة ما من نقطة. إذا كان الزمن لامتناه، فنحن نتواجد في نقطة ما منه.
أثارتني اعتباراته. سألته:
ـ أنت بلا شك لك معتقد ديني ؟
ـ نعم، أنا كالفاني. ضميري مرتاح. و أنا على يقين أني لم أغش القروي و أنا أقدم إليه كلمة الرب مقابل كتابه الشيطاني .
طمأنته بأن لا شيء فيه يستحق أن يلام عليه، وسألته إن كان فقط عابراً لمناخاتنا. فرد علي قائلاً إنه يفكر في العودة قريباً إلى وطنه. و لحظتها عرفت منه أنه اسكتلندي، من جزر أوركاد. قلت له بأنني أحب اسكتلندة شخصيا بسبب محبتي الشديدة لـ"استفنسن" و"هيوم"، فصحح لي:
ـ و " روبي بورنز"
وبينما نحن نتحدث، كنت أتابع تصفح الكتاب اللانهائي. وقلت له متصنعاً عدم الاكتراث:
ـ هل في نيتك إهداء هذا النموذج المثير للإعجاب إلى المتحف البريطاني؟
ـ لا، إليك أنت أهديه، رد قائلاً، و ذكر ثمناً مرتفعاً.
فأجبته، و بكل صدق، بأن هذا المبلغ فوق طاقتي، وأخذت أفكر. بعد لحظات، كنت دبرت خطتي.
قلت له:
ـ اقترح عليك مقايضة،أنت حصلت على ذاك المجلد مقابل بعض الروبيات ونسخة من الكتاب المقدس، وأنا سأعطيك مقابله كل المبلغ الذي حصلت عليه من تقاعدي وإنجيل"ويكليف" بالخط القوطي الذي ورثته عن والدي.
وغمغم ( بالأنجليزية):
ـ إنجيل"ويكليف" الأبيض
ذهبت إلى غرفتي وعدت إليه بالمال والكتاب. تصفحه و فحص صفحة العنوان بنهم شخص مولع بالكتب حد المرض.
ثم قال لي:
ـ اتفقنا
استغربت لكونه لم يساوم. وفهمت بعد ذلك أنه أتى مصمماً أن يبيعني الكتاب. و دون أن يعد الأوراق المالية وضعها في جيبه.
كنا قد تحدثنا عن الهند و"الأوركاد"، و العادات النرويجية التي تحكم هذه الجزر.
كان الوقت ليلاً عندما رحل الرجل. ولم أره بعد ذلك أبداً وأنا أجهل اسمه.
فكرت أن أضع"كتاب الرمل" في المكان الفارغ الذي خلّفه إنجيل"ويكليف" ، ولكني اخترت في النهاية أن أخفيه خلف المجلدات غير المتجانسة لـ"ألف ليلة وليلة".
ـ قد يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر، قلت معاينا الكتاب.
ـ لا أعرف، لم أعرف ذلك أبداً، رد الرجل.
فتحته كيفما اتفق. كان الخط غريباً علي. والصفحات، التي بدت لي متآكلة إلى حد ما، كانت ذات طباعة هزيلة، مثبتة على عمودين على غرار إنجيل. المتن كلماته جد متقاربة فيما بينها ومرتبة على شكل آيات. وفي الزاوية العليا للصفحات أدرجت أرقام باللغة العربية. أثار انتباهي أن صفحة زوجية كانت تحمل، على سبيل المثال، الرقم 40514 والصفحة الوترية، التي تتبعها، الرقم 999. قلبت هذه الصفحة؛ على الظهر يتضمن ترقيم الصفحات ثمانية أرقام. كانت موشاة برسم صغير، كالذي نجده في القواميس: مرساة مرسومة بالريشة، كما لو كانت بيد طفل صغير غير حاذقة.
حينذاك قال لي الرجل الغريب:
ـ أنظر إليه جيداً. لن تراه بعد الآن أبداً.
كما لو كان في هذا التوكيد نوع من الوعيد ، لكن ليس في النبرة.
أشرت مكانه بالضبط داخل الكتاب ثم أغلقته. وسرعان ما أعدت فتحه. بحثت عن رسم المرساة، صفحة صفحة لكن بدون جدوى. ولكي أداري دهشتي، قلت له:
ـ يتعلق الأمر بنسخة من الكتابة المقدسة في لغة من لغات الهنود، أليس كذلك؟
ـ لا، رد قائلاً.
ثم، خافضاً صوته كما لو أنه يريد أن يبوح لي بسر:
ـ اشتريت هذا المجلد من بلدة من بلدات السهل، مقابل بعض الروبيات وإنجيل. لم يكن مالكه يعرف القراءة. أظن أنه اعتبر الكتاب تعويذة. مِلك الطبقة الشعبية الأكثر دونية؛ لا يستطيع أحد، السير على ظله دون أن يصاب بأذى. قال لي إن كتابه يسمى كتاب الرمل، ذلك لأن لا الكتاب ولا الرمل لهما بداية و نهاية.
وطلب مني أن أبحث عن الصفحة الأولى.
وضعت يدي اليسرى على الغلاف وهممت بفتح المجلد بإبهامي مضموماً إلى الخنصر. حاولت جاهداً دون جدوى: كانت صفحات تلصق بين إبهامي والغلاف، كما لو أنها تخرج من الكتاب لوحدها.
ـ الآن ابحث عن الصفحة الأخيرة.
باءت محاولاتي مرة أخرى بالفشل؛ وبالكاد تلعثمت بصوت لم يكن صوتي:
ـ هذا مستحيل.
ودائماً بصوت خفيض قال لي بائع الأناجيل:
ـ هذا مستحيل بيد أنه كذلك.عدد صفحات هذا الكتاب هي بالضبط لامتناهية. لا واحدة منها هي الأولى ولا واحدة منها هي الأخيرة.
لا أعرف لماذا هي مرقمة بهذه الطريقة الاعتباطية. ربما لإفهام الآخرين بأن مركبات سلسلة لامتناهية ممكن أن تكون قطعاً مرقمة بطريقة عشوائية.
بعد ذلك وكما لو أنه كان يفكر بصوت عال، أضاف:
ـ إذا كان الفضاء لامتناه، فنحن نتواجد في نقطة ما من نقطة. إذا كان الزمن لامتناه، فنحن نتواجد في نقطة ما منه.
أثارتني اعتباراته. سألته:
ـ أنت بلا شك لك معتقد ديني ؟
ـ نعم، أنا كالفاني. ضميري مرتاح. و أنا على يقين أني لم أغش القروي و أنا أقدم إليه كلمة الرب مقابل كتابه الشيطاني .
طمأنته بأن لا شيء فيه يستحق أن يلام عليه، وسألته إن كان فقط عابراً لمناخاتنا. فرد علي قائلاً إنه يفكر في العودة قريباً إلى وطنه. و لحظتها عرفت منه أنه اسكتلندي، من جزر أوركاد. قلت له بأنني أحب اسكتلندة شخصيا بسبب محبتي الشديدة لـ"استفنسن" و"هيوم"، فصحح لي:
ـ و " روبي بورنز"
وبينما نحن نتحدث، كنت أتابع تصفح الكتاب اللانهائي. وقلت له متصنعاً عدم الاكتراث:
ـ هل في نيتك إهداء هذا النموذج المثير للإعجاب إلى المتحف البريطاني؟
ـ لا، إليك أنت أهديه، رد قائلاً، و ذكر ثمناً مرتفعاً.
فأجبته، و بكل صدق، بأن هذا المبلغ فوق طاقتي، وأخذت أفكر. بعد لحظات، كنت دبرت خطتي.
قلت له:
ـ اقترح عليك مقايضة،أنت حصلت على ذاك المجلد مقابل بعض الروبيات ونسخة من الكتاب المقدس، وأنا سأعطيك مقابله كل المبلغ الذي حصلت عليه من تقاعدي وإنجيل"ويكليف" بالخط القوطي الذي ورثته عن والدي.
وغمغم ( بالأنجليزية):
ـ إنجيل"ويكليف" الأبيض
ذهبت إلى غرفتي وعدت إليه بالمال والكتاب. تصفحه و فحص صفحة العنوان بنهم شخص مولع بالكتب حد المرض.
ثم قال لي:
ـ اتفقنا
استغربت لكونه لم يساوم. وفهمت بعد ذلك أنه أتى مصمماً أن يبيعني الكتاب. و دون أن يعد الأوراق المالية وضعها في جيبه.
كنا قد تحدثنا عن الهند و"الأوركاد"، و العادات النرويجية التي تحكم هذه الجزر.
كان الوقت ليلاً عندما رحل الرجل. ولم أره بعد ذلك أبداً وأنا أجهل اسمه.
فكرت أن أضع"كتاب الرمل" في المكان الفارغ الذي خلّفه إنجيل"ويكليف" ، ولكني اخترت في النهاية أن أخفيه خلف المجلدات غير المتجانسة لـ"ألف ليلة وليلة".
تمددت دون أن أنام. وحوالي الساعة الثالثة أو الرابعة قبل طلوع النهار، أشعلت النور. تناولت مرة أخرى الكتاب المستحيل ورحت أقلب صفحاته. ورأيت على إحداها، رسماً لقناع. يحمل أعلى الصفحة رقماً، نسيته، درجة ارتفاعه تصل إلى9.
لم أطلع أحداً على كنزي. وإلى جانب نشوة امتلاكه انضاف خوفي من أن يسرق مني، أيضا الشك في أن لا يكون حقاً لامتناهيا. هذان الهمّان ضاعفا من نزعتي القديمة الكارهة للبشر.
كان لا يزال لدي بعض الأصدقاء؛ توقفت عن الاتصال بهم. صرت سجين الكتاب، لا أضع قدمي تقريباً خارج البيت . أفحص فحصاً مدققاً ظهره وصفحاته المتهرئة بمكبر وأستبعد احتمال أي نوع من أنواع المكر. وتأكدت أن رسوماته الصغيرة متباعدة بألفي صفحة الواحدة عن الأخرى. سجلتها في فهرسة هجائية لم أتوان في ملئها. لم تظهر ثانية أبداً. وفي الليل، في اللحظات النادرة التي يسمح لي بها الأرق، كنت أحلم بالكتاب.
انتهى الصيف و حينها أدركت أن الكتاب كان شديد الخطورة، وهذا لم يفدني في شيء في أن أدرك أني أنا أيضاً على نفسي كنت شديد الخطورة، أنا الذي كنت أنظر إليه بعينيّ وأتحسسه بأصابعي العشرة وأظافرها. شعرت بأنه شيء كابوس، شيء فاحش يهتك عرض الواقع ويفسده.
فكرت في النار، لكنني خشيت أن يكون إحراق كتاب لانهائي هو أيضا لانهائي قد يخنق الكون بدخانه.
تذكرت أني قرأت في كتاب من الكتب بأن أفضل مكان لإخفاء ورقة هو في غابة. قبل الحصول على تقاعدي، كنت أعمل في المكتبة الوطنية، التي تضم تسعمائة ألف كتاب؛ وكنت أعرف أنه إلى يمين الرواق، يوجد درج حلزوني ينزل إلى عمق طابق أرضي حيث يحتفظ بالصحف والخرائط. انتهزت انشغال المستخدمين لإخفاء كتاب الرمل في واحد من رفوفه التي غزتها الرطوبة. حاولت ألا أرى في أي علو ولا في أي مسافة من الباب.
أشعر الآن بقليل من الارتياح، بيد أنني أفضل تجنب المرور عبر شارع مكسيكو.
خورخي لويس بورخيس Jorge Luis Borges :
كاتب ارجنتيني (1899 - 1986) يعتبر من أبرز كتاب القرن العشرين بالإضافة إلى الكتابة فقد كان بورخيس شاعراً وناقداً وله
عدة رسائل. ولد بورخيس في بوينس آيرس وكان والده محامياً وأستاذاً لعلم النفس، وكان مصدراً للإلهام الأدبي حيث قال عنه بورخيس: «حاول أن يصبح كاتباً ولكن محاولته فشلت». أما والدته فقد تعلمت الانجليزية من زوجها وعملت كمترجمة.
بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى أمضت عائلة بورخيس ثلاث سنوات في اسبانيا حيث أصبح بورخيس عضوا في حركة حراسة المقدمة الأدبية المتطرفة. في العام 1921 عاد بورخيس مع عائلته إلى بوينس آيرس محضراً معه الأفكار التطرفية الأدبية وبدأ مشواره الأدبي ككاتب بنشر قصائد ومقالات في مجلات أدبية.
بدأ بصره يضعف بالتدريج حيث أصبح غير قادر على إعالة نفسه ككاتب فبدأ عملاً جديداً كمحاضر عام. وبالرغم من وجود بعض الاضطهاد السياسي فقد كان بورخيس ناجحاً إلى حد معقول وأخذت شهرته تزداد بين الناس حتى عين في منصب رئيس جمعية الكتاب الأرجنتينيين ( 1950 - 1953 ) وكأستاذ للإنجليزية والأدب الأمريكي (1950 - 1955 ) في الجمعية الأرجنتينية للثقافة الإنجليزية. وتم إنتاج قصته القصيرة "إما زونز" في فيلم باسم "أيام الغضب" (Días de odio) في عام 1954. وفي تلك الفترة أيضاً بدأ بورخيس كتابة المسرحيات.
وفي العام التالي حصل على الجائزة الوطنية للأدب وعلى أول دكتوراة فخرية له من جامعة كويو من عام 1956 وحتى 1970 تقلد منصب أستاذ للأدب في جامعة بيونس آيرس والعديد من المناصب المؤقتة في جامعات أخرى.
بدأت شهرته الدولية في مطلع 1960 فحصل على جائزة فورمنتر مشاركة مع صاموئيل بيكيت، ولما كان هذا الأخير معروفاً وذا اسم عند متكلمي الإنجليزية في حين كان بورخيس غير معروف عندهم وأعماله غير مترجمة، أخذ الفضول يدور حول هذا الكاتب المغمور الذي شارك الجائزة مع بكيت. قامت الحكومة الايطالية بمنحه لقب قائد (Commendatore) تكريماً له. قاد هذا الأمر إلى قيام بورخيس بجولة لإعطاء المحاضرات في الولايات المتحدة، ثم ظهرت أول ترجمة لأعماله بالإنجليزية في 1962، وتبع ذلك جولات في اوروبا. منحته الملكة اليزابيت وسام الامبراطورية البريطانية في عام 1965. وقد حصل بعد ذلك على عشرات الأوسمة والتكريمات في ما تلى من سنوات، ومثال ذلك حصوله على وسام جوقة الشرف الفرنسية (Légion d'honneur) وجائزة كيرفانتس.عام 1999 تم إصدار عملة بمقدار 2 بيزو تحمل صورته بمناسبة 100 عام على مولده.