الأستاذ بليمَت

 قصة قصيرة من الأدب الكرديّ



أشرقت الشمس لتنسج بخيوطها سمفونية ربيعية ساحرة، وجلس الأستاذ (بليمت) إلى طاولة أمام باب المقهى القريب من داره يتناول قهوة الصباح ويستطلع العدد الجديد من الجريدة قبل أن يحين موعد محاضرته في الجامعة. وبينما هو منغمس في لذة استكشاف ما استجدّ من الأخبار، أحسّ بيد تربت على كتفه، فالتفتَ إليها ليجد زميله الأستاذ (كاميران) وافقاً بجانبه، فطوى الأستاذ (بليمت) جريدته ودعاه على تناول القهوة معه، فجلس إلى طاولته واسترسل كعادته في حديث صباحي مشوق يفتح الأذواق على رأس ذلك اليوم الجميل. وبينما هما يقهقهان على أنغام حديثهما غير الجدي، توقف الأستاذ (كاميران) من قهقهته فجأةً وسادت على إثر ذلك فترة من الصمت استغلها ليحدق من خلالها بنظراته في الخاتم الكبير الذي يحمله زميله في إحدى أصابع يده اليمنى، وتساءل مبتسماً: (هل لي أن أعرف سرّ هذا الخاتم الكبير الذي تحمله في إصبعك يا أستاذ؟ لطالما راودني الفضول في التعرف على قصته)، فردّ الأستاذ (بليمت) مبتسماً: (إنه هدية من كبير عائلتنا .. إنه يجلب الحظ على حدّ اعتقاده!)، فتعجب الأستاذ (كاميران) من نبرة زميله في الحديث، وقال : (وهل تؤمن بهذه الخزعبلات يا أستاذ؟ فما عرفناك إلاّ داعياً للتجديد والإصلاح وثائراً على الأسطورة والكذب في هذا البلد، فمنذ أن تمكنَت أناملك مِن التلاعب باليراع وأنت تحارب الرجعية والتخلف في هذا المجتمع، ومقالاتك ومؤلفاتك التي تسد عين الشمس خير دليل
على ذلك، فأنت تتبنى في كتاباتك ثورة جريئة على الأعراف والتقاليد، فبربّك كيف تدع هذا الخاتم الرجعي يدنّس أناملك التي لطالما احتضنت اليراع المتجدد، فإنني على يقين أنك لا تؤمن بالحظ الذي يجلبه هذا المعدن الأصمّ). فردّ الأستاذ (بليمت) في هدوء: (صحيح أنني لا أؤمن بذلك لكنني أيضاً لا أستطيع أن أخلعه، لا أريد أن أتمرد على عرف العائلة وقوانينها بهذه البساطة !)، فقال الأستاذ (كاميران) : (لكنك تنشد التغيير والإصلاح في كتاباتك ليل نهار، وينبغي عليك أن تضحي قبل الجميع وأن تبدأ بنفسك قبل غيرك. يجب أن تثور على العرف والتقليد الأعمى ليكون فعلك بقدر قولك!)، فابتسم الأستاذ (بليمت) ابتسامة عريضة، ثم قال: (يا صاح .. لي فلسفة في تغيير الناس قلّ أن تجدها عند غيري من دعاة التغيير، فأنا أحياناً كثيرة أرغم نفسي على القبول بأشياءٍ تافهة يؤمن بها الناس مِن حولي وأنا لا أؤمن بها، ليُرغموا – هم أيضاً – أنفسهم على القبول بأشياء عظيمة أؤمن بها أنا وهم لا يؤمنون بها، فهكذا أضغط على زرّ التغيير في المجتمع!!)، قالها ونظر إلى ساعته وهو يضع جريدته على الطاولة، ثم انتفض قائلاً وهو يبتسم: (لقد أخذنا الحديث، فلنسرع قبل أن أتأخر عن تلامذتي).



 هوار بلو:
  هو طبيب وكاتب كردي عراقي من مواليد محافظة دهوك  سنة 1979. تخرج سنة 2004 من جامعة دهوك حاصلاً على شهادة البكالوريوس في الطب والجراحة العامة. له تجربة جميلة في مجال أدب القصة القصيرة، كما يكتب في الفكر الإسلامي المعاصر وله كتابان باللغة العربية... كتب العديد من المقالات الفكرية في الصحف والمجلات المحلية وعبر المنتديات الألكترونية العربية.

سعادة للبيع

تأليف : البرتو مورافيا
ترجمة : وفاء شوكت

نحو منتصف بعد ظهر كل يوم، كان الموظف العجوز، المتقاعد، المدعو ميلون، يخرج من منزله، بصحبة زوجته أرمينيا، وابنته جيوفانا. كانت زوجته بدينة ومتقدِّمة في السن، وابنته هزيلة البنية وقد أصبحت الآن مسنَّة ومثل المخبولة. كان آل ميلون الثلاثة، الذين يسكنون ساحة "ديللا ليبيرتا"، يصعدون ببطء، وراء أرمينيا السمينة، يمسحون شارع "كولادي ريانزو"، متأمِّلين واجهات المخازن الواحدة تلو الأخرى. وكانوا يغيِّرون الرصيف
في ساحة ريزور جيمنتو" ويعودون، وهم يتابعون تأمَّل المحلات بالعناية ذاتها، نحو ساحة "ديللا ليبيرتا".‏ كان هذا الذهاب والإياب يستغرق قرابة ساعتين، الوقت الكافي للتجلُّد حتى تحين ساعة العشاء. ولم يعد أفراد عائلة ميلون الثلاثة، الفقراء جداً، يدخلون إلى قاعة سينما أو مقهىً منذ زمنٍ طويل. كان التنزُّه هو تسلية حياتهم الوحيدة.‏ وفي يومٍ من الأيام، وبعد أن خرجوا في الساعة المعتادة وصعدوا شارع "كولادي ريانزو" تقريباً حتى ساحة "ريزور جيمنتو"، لفت انتباه أفراد عائلة ميلون الثلاثة مخزن جديد، وكأنه فُتِح بطريقةٍ سحرية، في المكان الذي لم يكن حتى مساء أمس سوى حِباك (حظيرة من قصب شدَّ بعضه إلى بعض)
مغبرّ. وكان صقيل الزجاج يمنعهم عن تمييز البضاعة. فاقتربوا، ثلاثتهم، من المخزن، ودون أن ينبسوا ببنت شفة، شكلوا نصف دائرةٍ على الرصيف وهم يصطفون أمام واجهاته.‏ كانوا يرون الآن البضاعة بوضوح: السعادة. 
كان أفراد عائلة ميلون الثلاثة، مثل جميع الناس هنا، قد سمعوا دائماً، الحديث عن هذه السلعة، ولم يروها قط. كانوا يتناقشون حولها هنا وهناك، كأنها شيء نادر جداً، فيصفها البعض بالخيالية، مشككين بوجودها الحقيقي تقريباً. وصحيح أن المجلات كانت تنشر من حينٍ لآخر مقالاتٍ طويلة مصوَّرة، يقولون فيها إن السعادة في الولايات المتحدة إن لم تكن عامة، فهي على الأقل سهلة المنال؛ لكن، كما نعلم، أمريكا بلاد بعيدة، والصحفيون يتخيَّلون أشياء كثيرة. وعلى ما يبدو، كانت توجد وفرة من السعادة في الأزمنة الغابرة، لكن ميلون، مثل كل الذين كانوا طاعنين في السن الآن، لا يتذكَّر أبداً أنه رآها.‏ وها هو متجر الآن، وكأن الأمر لم يحصل، وأن الموضوع يتعلَّق بالأحذية أو أدوات المائدة، يقدِّم صراحةً هذه البضاعة، لأي شخص يريد شراءها. وهذا ما يفسِّر دهشة أفراد عائلة ميلون الثلاثة المسمَّرين إلى الأرض، الجامدين أمام هذا المتجر الغريب.‏ ويجب القول إن هذا المتجر كان يُحسِن عرض بضاعته جيداً في واجهاته الكبيرة المؤطَّرة بحجر الترافرتين (حجر جيري من مدينة تيبور بإيطاليا) اللامع، وكانت لافتته من طراز عام 1900، وجميع إكمالاته وزيناته مصنوعة من المعدن المطلي بالنيكل . وفي الداخل أيضاً، كانت طاولاته على الطراز الحديث، وكان بائعان أو ثلاثة من الشبان الحيويين، أنيقي الملبس، يجذبون، بظهورهم فقط، الزبون الأكثر تردداً. وتظهر في الواجهات "السعادات" مثل بيض "عيد الفصح"، وهي معروضة حسب كبرها، وتوافق جميع الميزانيات. فيوجد منها الصغير والوسط والضخم، قد تكون مزيَّفة، وضعت للدعاية. وكان لكل سعادةٍ بطاقتها الصغيرة، مع السعر المدوَّن عليها بالأحرف الطباعية المائلة.‏ وانتهى الأمر بالعجوز ميلون إلى القول بسطوةٍ، معبِّراً عن أفكارهم: 
-هذا إذاً، لم أكن لأتوقع ذلك أبداً...‏
 فسألته الفتاة ببراءة:‏ -ولماذا يا أبي؟‏ 
 رد عليها العجوز بانزعاج قائلاً:‏ -لأنه، ومنذ سنواتٍ عديدة، يُقال لنا بأنه لا توجد سعادة في إيطاليا، وأنها تنقصنا، وأن استيرادها يكلِّف كثيراً... وها هم فجأةً، يفتحون مخزناً لا يبيعون فيه سواها.‏ قالت الفتاة:‏ -قد يكونون اكتشفوا منجماً.‏ 

 فانبرى ميلون يقول مغتاظاً:‏ -ولكن أين، ولكن كيف؟ ألم يقولوا لنا دائماً إن باطن الأرض في إيطاليا لا يحتوي عليها؟... لا نفط، ولا حديد، ولا فحم، ولا سعادة... ثم، هناك أشياء ينتهي بنا الأمر إلى أن نكتشفها... هل تتخيَّلين... عندي شعور بأنني سأرى عناوين كبيرة تقول: بالأمس، كان "فلان" يتنزَّه في جبال "كادور"، واكتشف منجم سعادة من نوعيةٍ ممتازة... هيه، كلا، كلا... إنها بضاعة أجنبية.‏
 وتدخَّلت الأم بهدوءٍ قائلة:‏ -حسناً، أين المشكلة؟ هناك، لديهم الكثير من السعادة وهنا، ليس لدينا شيء منها: إنهم يستوردونها... أين الغرابة؟"‏  
رفع العجوز كتفيه حانقاً، وقال:‏ "حججٌ غير معقولة... هل تفهمين فقط ما هو معنى استيراد؟‏ هذا معناه صرف نقودٍ ثمينة... نقود بإمكاننا استخدامها لشراء القمح... إن البلد يتضوَّر جوعاً... نحن بحاجة إلى القمح... ومهما قلتِ، فإن الدولارات اليسيرة التي نجمعها بشق النفس، نقوم بإنفاقها على شراء هذه البضاعة، هذه السعادة!‏.
 ولفتت ابنته انتباهه قائلة:‏ -ولكننا بحاجةٍ أيضاً إلى السعادة.‏
 أجابها العجوز:‏ -هذا شيء غير ضروري. قبل كل شيء، يجب التفكير في الغذاء.. أولاً الخبز، وبعد ذلك السعادة... ولكن على أي حال هذا بلد اللا منطق: أولاً السعادة، وبعد ذلك الخبز.‏ 
 فلاحظت زوجته الحليمة:‏ -كم تغضب سريعاً! حسناً، أنت لا تحتاج إلى السعادة.. لكن الجميع ليسوا مثلك.‏ 

 وخاطرت ابنته بالقول:‏ -أنا، مثلاً...‏ فردَّد الأب بنبرة مهدِّدة:‏ -أنتِ، مثلاً...‏ 
 وتابعت الفتاة بيأس:‏ -أنا، مثلاً، سأشتري حقاً، واحدة، واحدة صغيرةً منها، لأعرف فقط كيف هي مصنوعة هذه السعادة.‏ 
 فقال الأب مقاطعاً ومغتمَّاً:‏ -هيا بنا.‏
 وتركت المرأتان نفسيهما تُقْتادان بطاعة. لكن العجوز كان الآن منزعجاً. فقال:‏ -لم أكن أتوقَّع ذلك منكِ حقاً، يا جيوفانا.‏
 -ولماذا، يا أبي؟‏ 
 -لأنها بضاعة من السوق السوداء، من محدثي النعمة، من أصحاب الملايين... إن موظفاً في "الدولة" لا يستطيع أن يطمح إلى السعادة ويجب ألا يفعل... وعندما تقولين بأنك تودين شراءها، تثبتين على الأقل عدم إدراكك...‏ كيف... نحن نؤجِّر غرفاً في منزلنا، ويصلني راتبي التقاعدي تقريباً في أول الشهر، وأنتِ... آهٍ، إنك تخيِّبين أملي، إنك تخيِّبين أملي.‏ غشت الدموع عينيّ ابنته. فقالت الأم:‏ -هل ترى كيف أنتَ، إنك تمضي وقتك في تأنيبها. ثم إنها لا تملك شيئاً في الحياة، وهي شابة، فأين الغرابة في أن ترغب في تذوُّق السعادة؟‏ 

 -لا شيء... لقد استغنى والدها عنها، فهي أيضاً باستطاعتها الاستغناء عنها.‏ كانوا الآن قد وصلوا إلى ساحة "ريزور جيمنتو".‏ لكن، خلافاً لعادتهم، أراد العجوز، هذه المرَّة، العودة على الرصيف ذاته. وعندما وصلوا أمام المخزن، توقَّف، ونظر طويلاً إلى الواجهة، وقال:‏ -هل تعرفان ماذا أعتقد؟ إنها مزيَّفة.‏
 -ماذا تريد أن تقول.؟‏ -حسناً؛ أمس فقط، كنت أقرأ في الجريدة أن سعادة صغيرةً مثل هذه، في أمريكا، أقول جيداً في أمريكا، تكلِّف عدة مئاتٍ من الدولارات... فكيف من الممكن أن يقدِّموها لنا بهذا الثمن؟ إن سعرها مع تكلفة النقل يكلِّف أكثر بكثير... إنها مزيَّفة، إنها منتجات محليَّة... لا يوجد في ذلك أدنى شك.‏ وجازفت الأم بالقول:‏ -لكن الناس يشترونها.‏ -وما الذي لن يشتريه الناس... سوف يكتشفون ذلك بعد أن يعودوا إلى منازلهم، خلال عدة أيام... غشاشون!‏ وتابعوا نزهتهم. لكن جيوفانا كانت تبتلع دموعها، وتفكِّر بأن السعادة، حتى المزيَّفة، ستعجبها.‏



ألبيرتو مورافيا :    
 كاتب  ايطالي ولد في روما  سنة 1907  وتوفى  سنة 1990  في مدينة روما التي عاش فيها جل حياته. يعتبر من أشهر كتاب إيطاليا في القرن العشرين, وهو يكتب بالايطالية  ويتكلم اللغتين
الانجليزية والفرنسية. ولد في عائلة ثريّة. لم ينه ألبيرتو دراسته لانّه اصيب بالسلّ  الذي أقعده في الفراش لخمس سنوات ممّا جعله يحب المطالعة. في سنة 1929 بدأ حياته المهنيّة ككاتب في مجلّة 900 حيث كتب أوّل قصصه القصيرة.  سنة 1972  زار افريقيا  حيث كتب (A quale tribù appartieni) "إلى ايّ قبيلة تنتمي؟" ونشرت في نفس السّنة.

من رواياته :
* زمن اللامبالاة (Time of Indifference): وهي روايته الأولى التي كتبها ونشرت سنة 1929 ويتناول فيها الفلسفة الوجودية حيث تحدث فيها عن أسرة من الطبقة المتوسطة دب فيها الفساد الأخلاقي وصورها وهي تمد يد المساعدة إلى الفاشية الايطالية.

* السأم: وهي رواية حازت على أكبر جائزة أدبية في إيطاليا (جائزة فيارجيو ).

* دولاب الحظ: نشرت سنة 1939.

* امرأة من روما: نشرت سنة 1947 وهاجم فيها قيم الطبقة المتوسطة.

* المرأتان: نشرت سنة 1947 تصور معاناة إمرأة وابنتها في ظل الحرب.

* العصيان: نشرت سنة 1948.

* حكايات من روما: نشرت سنة 1954.

* الفردوس: نشرت سنة 1970.

* الاحتقار: رواية تصور حياة اجتماعية جرت وقائعها في إيطاليا بين زوجين تفاوتت ثقافتهما فأدت إلى تحطم حياتهما العاطفية.

* مراهقون... ولكن: تصور تجربة طفل من الطبقة الثرية مع مجموعة من الأطفال الفقراء الذين يفتحون عينيه على أسرار عالم الكبار.

* أنا وهو: رواية تصور صراع الانسان مع نفسه
.



ملخص رواية ذاكرة الجسد

  ل أحلام مستغانمي


 بطلا الرواية خالد "الراوي" وحياة التي من أجلها كُتِبَت الرواية، حيث يقرر خالد ان يخّط قصته مع الوطن ومع بلدته قسنطينة اللذان جسّدتهما حياة في ملامحها وطباعها.
خـالــــد شخصية محورية، تمثِّل الماضي والتضحيات الصادقة في سبيل الوطن، كما تُمثِّل أيضاً المعاناة على جميع المستويات  والأصعدة السياسية والاجتماعية والنفسية والتاريخية. فهو ثوري شارك في ثورة الجزائر وبترت يده اليسرى أثناء الثورة، ولكنه بعد الاستقلال وتغير الصورة لم يعد يرى بلاده كما حلم بها بل بدأ يشعر باغتراب أطبق على صدره فجزائره التي حلم بها دائماً لم تعد تتسع لمثله من أصحاب المبادئ الذين لم تتبدل جلودهم بعد الثورة، ما دفعه إلى ترك بلاده قاصداً فرنسا، ليعيش فيها فترة طويلة.

  بعد ثلاثة أسابيع من عودة خالد إلى أرض الوطن ليواري أخاه حسان الثرى، والذي توّفى في أحداث أكتوبر 1988 برصاصة طائشة. يقرر أن يكتب حكايته مع حياة التي تمناها عروساً له فكانت لغيره. ولأنه تذّكر قولها:" أننا عندما نكتب عن من نحبّهم  فإننا في الحقيقة نقتلهم ونمحوهم من ذاكرتنا إلى الأبد" قرر خالد ان يقتل حياة وإلى الابد!.

خالد من الرجال  الذين لم يتوانوا للحظة  عن حمل السلاح عند اندلاع الثورة، كيف لا وهو جار سي الطاهر, أحد قادة الثورة  وشهدائها، كان خالد يرى فيه الأخ والجار والجندي المدافع عن وطنه.
يروي خالد أنّه التحق بالثورة بعد وفاة أمه فوجد سي الطاهر الذي علمه النضال وما لبث خالد ان كسب ثقة رئيسه فأصبحت تسند إليه العمليات الخاصة والصعبة. وفي إحدى المعارك يصاب خالد
في ذراعه اليسرى حيث اقتضت الضرورة أن تبتر وبالتالي يحال خالد على الحياة المدنية حيث كانت تونس ملجأ المعطوبين من جيش التحرير. وعند مغادرته يأتيه سي الطاهر ليطمئن عليه ويودعه وفي الوقت نفسه يحمّله أمانة إلى أمه وورقة فيها إسم المولودة مند شهور يكلفه بتسجيلها في دار البلدية كان ذلك في سنة 1956 وبعد أربعة سنوات من هذا التاريخ يسقط سي الطاهر شهيداً في ساحة الفداء تاركاً وراءه أمّاً وزوجة ثكلى تجرّ معها حياة ستة سنوات وناصر عامين.
  بعد الاستقلال انفصل خالد عن عائلة سي الطاهر ليواجه كل طرف قدره. فخالد هاجر إلى فرنسا لأنّه رأى نفسه في نظام يخالف قناعته والمبادئ التي قامت من أجلها ثورة التحرير. ثم تمرّ السنين مرّ السحاب، وها هو اليوم في باريس يعرض لوحاته على الجمهور لم يكن يعلم أنّ القدر سيجعله في اختبار. المعرض قائم والزوار يتكاثرون وإذ به يلمح فتاتين تدخلان المعرض، ملامحهما جزائرية بل قسنطينية بدون مقدمات إحداهما حرّكت أحاسيسه كأنّه يعرفها منذ أمد بعيد، رغبة شديدة تدفعه كي يقترب منهما فيقترب ويسأل والمفاجئة إنّها هيّ تلك الصغيرة التي طالما لعبت على حجره هاهي قد أصبحت امرأة كاملة الأنوثة إنّها حياة الاسم الذي اختاره خالد أن يسميها به. 

مند ذلك اللقاء يروي خالد تطورت علاقته مع حياة فهي التي جاءت الى المعرض لتلتقي برجل لازم أباها ليحكي لها عنه كإنسان بمساوئه وحسناته لا كما يحكون عنه كبطل خارق لا يتألّم لا يشكو، لتتطور العلاقة إلى رغبة وعشق وحلم وغّيرة وخيبة
وحقد. وينتابه شعور عارم بالحب تجاه تلك الفتاة التي تصغره بخمسة وعشرين عاماً، تبادله مشاعر، هو نفسه لا يدري إن كانت مشاعر حب، أم مشاعر ارتياح، أم أنها وجدت فيه أباً يعوضها عما فقدته باستشهاد والدها سي الطاهر. أحبها خالد لدرجة العشق الجنوني وكانت في بعض الاحيان تمنحه أمل أنها تبادله نفس الحب، واستمر على ذلك الأمل حتى جاءته دعوة من عمها "سي الشريف" ليحضر حفل زفافها، ويومها احس بشعور غريب من الألم ممزوج بشعور آخر بالدهشة، فحلمه الذي عاش على أمل أن يتحقق في يوم ما يضيع منه في لحظة، بل وفي ظل هذا الضياع يُطلب منه حضور ضياع حلمه بنفسه. فتتزوج من احد المسؤولين العسكريين والذي تلوكه الألسنة بالفساد واستغلال النفوذ.

 فالرواية بدأتها مستغانمي حيث انتهت، فقد بدأت الرواية بعرض
للزمن الحاضر حيث مكان وجود خالد في قسنطينة، ثم رجعت بنا إلى الوراء من خلال قيام خالد أثناء مكوثه في قسنطينة باسترجاع الأحداث التي رافقته منذ كان مشاركاً في الثورة مع الأبطال ضد الاحتلال الفرنسي إلى أن عاد من فرنسا إلى قسنطينة ليقيم مع زوجة أخيه بعد وفاة أخيه حسان وكان ذلك عام 1988. 


  وهكذا أنهى خالد روايته عن حياة في كتاب خطّته أحلام مستغانمي تحت عنوان ذاكرة الجسد.

وقد قال نزار قباني عن الرواية:
" الرواية دوختني، وأنا نادراً ما أدوخ أمام رواية من الروايات، وسبب الدوخة ان النص الذي قرأته يشبهني إلى درجة التطابق فهو مجنون ومتوتر واقتحامي ومتوحش وإنساني وشهواني وخارج على القانون مثلي. ولو ان أحداً طلب مني أن أوقع اسمي تحت هذه الرواية الاستثنائية المغتسلة بأمطار الشعر.. لما ترددت لحظة واحدة. 

صدرت الرواية سنة 1993 في بيروت وقد بيع منها حتى الآن أكثر من 3 ملايين نسخة. مع الاشارة الى ان الرواية صورت في عمل تلفزيوني من إخراج المخرج الكبير نجدت أنزور. صدر عن الرواية ما لا يحصى من دراسات واطروحات جامعيّة عبر العالم العربي.


أحلام مستغانمي ( 13 أبريل 1953 ):
 كاتبة جزائرية، ترجع أصولها إلى مدينة قسنطينة عاصمة الشرق
الجزائري حيث ولد أبوها وقد كان  مشاركاً في الثورة الجزائرية، عرف السجون الفرنسية، بسبب مشاركته في مظاهرات 8 ماي 1945. عملت في الإذاعة الوطنية مما خلق لها شهرة كشاعرة،  انتقلت إلى فرنسا في سبعينات القرن الماضي، حيث تزوجت من صحفي لبناني، وفي الثمانينات نالت شهادة الدكتوراة من جامعة السوربون. تقطن حاليا في بيروت. وهي حائزة على جائزة نجيب محفوظ للعام 1998 عن روايتها ذاكرة الجسد.

مؤلفاتها:
على مرفأ الأيام عام 1973.
كتابة في لحظة عري عام 1976.
ذاكرة الجسد عام 1993. ذكرت ضمن أفضل مائة رواية عربية.
فوضى الحواس 1997.
عابر سرير 2003.
مقالات أحلام مستغانمي.
نسيان دوت كوم2009.
قلوبهم معنا و قنابلهم علينا2009. 
 
للمزيد: https://en.urlr.me/G3pBS


اعطني الناي وغني ل جبران خليل جبران


غنتها فيروز ولحنها نجيب حنكش:


أعطني الناي وغن فالغناء سر الوجود
وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود
هل اتخذت الغاب مثلي منزلاً دون القصور
فتتبعت السواقي وتسلقت الصخور
هل تحممت بعطر وتنشفت بنور
وشربت الفجر خمراً في كؤوس من أثير



أعطني الناي وغن فالغناء سر الوجود
وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود
هل جلست العصر مثلي بين جفنات العنب
والعناقيد تدلت كثريات الذهب
هل فرشت العشب ليلاً وتلحفت الفضاء
زاهداً في ما سيأتي ناسيـًا ما قد مضى



أعطني الناي وغن فالغناء عدل القلوب
وأنين الناي يبقى بعد أن تفنى الذنوب
أعطني الناي وغن وانس داءً ودواء
إنما الناس سطور كتبت لكن بماء



مقتبسة من كلمات لجبران خليل جبران من قصيدته "المواكب".
وهي قصيدة رمزية طويلة تتكون من 203 بيتاً، تنقسم إلى وحدات تتناول مختلف المواضيع، والمواكب هي مواكب الناس في حياتهم الشائكة وأطباعهم الزائفة وضلالهم ومعتقداتهم الخاطئة. وتتكون من المواضيع التالية: الخير، الدين، العدل، العلم، السعادة والحب، وصف الطبيعة المثالية "وصف لبنان". 


جبران خليل جبران:
 فيلسوف وشاعر وكاتب ورسام لبناني، ولد في 1883 في بلدة بشري شمال لبنان وتوفي في نيويورك 1931 بداء السل. هاجر وهو صغير مع أمه وإخوته إلى أمريكا عام 1895 حيث بدأ مشواره الأدبي. اشتهر عند العالم الغربي بكتابه الذي تم نشره سنة 1923 وهو كتاب النبي.
كانت عائلة جبران فقيرة، لذلك لم يستطع الذهاب للمدرسة، بدلاً من ذلك كان قسيس يأتي لجبران إلى المنزل ويعلمه الإنجيل والعربية والسريانية.
أسس جبران خليل جبران الرابطة القلمية مع كلِّ من ميخائيل نعيمة، عبد المسيح حداد، ونسيب عريضة.
تفاعل جبران مع قضايا عصره، وكان من أهمها التبعية العربية للدولة العثمانية والتي حاربها في كتبه ورسائله. وبالنظر إلى خلفيته المسيحية، فقد حرص جبران على توضيح موقفه بكونه ليس ضِدًا للإسلام الذي يحترمه ويتمنى عودة مجده، بل هو ضد تسييس الدين سواء الإسلامي أو المسيحي.

كتبه بالعربية:
الأرواح المتمردة 1908
الأجنحة المتكسرة 1912
دمعة وابتسامة 1914
المواكب 1918
العواصف (رواية).
البدائع والطرائف: مجموعة من مقالات وروايات تتحدث عن مواضيع عديدة لمخاطبة الطبيعة. نشر في مصر عام 1923.
عرائس المروج
نبذة في فن الموسيقى

كتبه بالإنكليزية:
المجنون 1918
السابق 1920
النبي 1923
رمل وزبد 1926
يسوع ابن الإنسان 1928
آلهة الأرض 1931
التائه 1932
حديقة النبي 1933
الأعلام للزركلي.

وكانت أمنية جبران أن يُدفن في لبنان، وقد تحقق له ذلك في 1932. دُفن جبران في صومعته القديمة في لبنان، فيما عُرف لاحقًا باسم متحف جبران.
وأراد أن تكتب هذه الكلمة على قبره:
«أنا حي مثلك وأنا واقف الآن إلى جانبك فاغمض عينيك والتفت تراني أمامك».

 


Twitter Bird Gadget