حلم


نام كالوقين ورأى في المنام ، كأنه يجلس وسط دغل، وبالقرب من الدغل شرطي يمشي.
هب كالوقين مستيقظاً، حك فمه واستغرق في النوم مرة أخرى، ومرة أخرى رأى حلماً، كأنه يمشي بقرب دغل وشرطي يجلس
 


مختبئاً وسط الدغل. هب كالوقين من نومه، ووضع صحيفة تحت رأسه، حتى يحمي الوسادة من لعابه، واستسلم للنوم مرة أخرى، ومرة أخرى رأى حلماً، كأنما هو يجلس في دغل وبقرب الدغل شرطي يمشي. استيقظ كالوقين، قلب الصحيفة، استلقى ونام مرة أخرى. نام ورأى حلماً مرة أخرى، كأنما هو يمشي بالقرب من دغل، وشرطي يختبئ وسط الدغل. وهنا هب كالوقين من نومه، وقرر أن لا ينام مجدداً، ولكنه ما لبث أن استلقى نائماً، ورأى حلماً، كأنما هو يجلس وراء شرطي، وبالقرب منهما الدغل يمشي.
صرخ كالوقين وتلوى في الفراش، إلا أن سانحة الاستيقاظ كانت قد فاتت.
استغرق كالوقين في النوم لأربعة أيام وأربع ليال متتالية واستيقظ
في اليوم الخامس هزيلاً إلى درجة أن حذاءه احتاج إلى الشد بحبل حتى لا ينزلق من قدمه.

في المخبز، حيث كان كالوقين يحظى بشراء خبز القمح الفاخر دائماً، لم يتعرف عليه أحد، فدسوا له خبز الردة. أما لجنة الرقابة الصحية فعندما رأت كالوقين خلال كشفها على الشقق السكنية اعتبرته ضار بالصحة وغير نافع لأي شئ، وحررت محضراً
بالقاء كالوقين مع الزبالة.
تم طي كالوقين من وسطه والتخلص منه، كالزبالة.

 




دانييل خارمس:
 


أديب روسي من الحقبة السوفييتية تميز بمسحة نقدية لاذعة وبسخريته المريرة وبمزاجه السوداوي.
كتب خارمس في يومياته عام 1937 يصف مذهبه الفني ورؤيته
 

الجمالية للابداع :"أهتم فقط بالهراء. أهتم فقط بما ليس له أي معنى عملي. تهمني فقط الحياة في مظهرها العبثي. البطولة والشفقة والبراعة والأخلاق والنظافة والرقة والانفعال، بالنسبة لي كلمات بغيضة. إلا أنني أتفهم واحترام تماماً السرور والاعجاب والإلهام واليأس الشهوة وضبط النفس والفجور والعفة والحزن والأسى والفرح والضحك. "

  من تيار المستقبليين ومؤسس جماعة " أوبريو" الأدبية ( اتحاد الفن الحقيقي ) وله قصص غرائبية وعجيبة ..أشبه بالعبثية ..

نُفي وسُجن بتهمة " اشاعة روح التخاذل " والدنيا حرب، وعاش فقيراً. مات جوعاً وبرداً في زنزانته في لينينغراد بعد ان حاصرها الألمان فنسيه سجانوه في الغرفة التي حُبس فيها.

  

مسحور.. ساحر



في وسط غرفة صغيرة معتمة، كانت الحاجة زَيْنبو جالسة، منكسرة القلب.. كان بُخار عود صافُورا يملأ الغرفة، ويكاد يُغمي عليها.. تأمَّلت في العرَّاف وهو يُتمتمُ بألفاظٍ غريبة على رأس ابنها
المغطَّى برداء أحمر.. لا شكَّ أنَّ العرَّاف كان في صراعٍ عنيفٍ مع أرواحٍ شرِّيرة.. كان الخوف يهجُمُ على الحاجة في وسط العَتمة، لكن قلب الأمِّ بين جنْبَيْها كان لا يفتأ يبتهلُ بالدُّعاء لولدها

يا ربِّ انقذه من هذا السِّحر.. يا ربِّ لا تجعله يسرق بعد اليوم أبدًا
استغرق صراع العرَّاف مع تلك الأرواح الهائجة أكثر من ساعة.
يا حاجة، إذا شرب ابنُكِ من هذه الزُّجاجة تمامًا كما وصفتُ، وعلَّقتِ هذه التَّمائمَ على رُسغَيْه.. نعم، سبعة أيَّام.. بالتَّأكيد سبعة! فإنَّه لن تمدَّ يده قطُّ إلى شيءٍ ليسرقه.
 
بيدٍ مرتعشةٍ وبحذر، أمسكت الأمُّ بالجعبة الصَّغيرة التي وضع العرَّاف فيها التَّمائم. كانت تلهجُ بالشُّكر للعرَّاف بصوتٍ متكسِّرٍ، يغمُرُه الفرَح، ويشُوبُه النَّحيب.

همس العرَّاف في أذنها:
.احرصي أيضًا أن تحرقي هذه المساحيق، وقت غرب الشَّمس بالضَّبط، ستُصابُ ضرَّتُك تلك السَّاحرة التَّعسة بالجنون. ما إنْ خرجت الحاجة زَيْنَبو مع ابنها حتى غرق العرَّاف في تأمُّلاته.
أوفْ! لقد نجحتُ مرَّةً أخرى. إنَّها مقتنعةٌ تمامًا بقولي إن ابنها مسحور.. هؤلاء النَّاس يُهملون تربية أولادهم، ثم يريدون منَّا أن نُصلحهم بطقوسٍ سحريَّة.. يالَلعَجب، كيف يُدمنُ ولدُ مثْلِ هذه
المرأة الغنيَّة السَّرقة والأفيون؟! هذا غلامٌ قد أفسده التَّرف وقبل أن تمتدَّ به أفكارُهُ في أمرٍ لا يهمُّه.. مدَّ يده وسط العتمة.. رفع طرف جلد الشَّاة التي كان يجلسُ عليها.. كان يتحسَّسُ بيده عن ألياف الأوراق البَنْكيَّة التي دسَّت بها الحاجة زَيْنَبو في يده
 
شعر العرَّافُ بحُرقةٍ يخترق رأسه وكأنَّه شهابٌ ناريٌّ.. بسرعةٍ أضاء المصباح.. كان يبحث في جميع أرجاء الغرفة الصَّغيرة بحركةٍ عشوائيَّة.. كان يبحث عن ألياف المال.. ساعته.. حافظة نقوده.. هاتفه المحمول
 
كان العرَّافُ يُتمتم لنفسه في غضب وحدَّة

.والله بالله.. إنَّه شابٌّ مسحور.. آهْ.. بل ساحر


د. آدم بمبا:

أكاديمي وباحث من ساحل العاج، حاصل على دكتوراه في الدراسات الأدبية، الجامعة الإسلاميَّة
العالمية بماليزيا، وماجستير في اللغة العربية.


 له عدد من المؤلفات والكتب المنشورة منها :
- الإسلام في أدب غرب أفريقيا المعاصر: دراسة تحليلية لروايات حديثة، 2010.
- أسامي الأحاديث النَّبويَّة في كتب التُّراث الشَّرعي، بيروت، 2010.
- تاريخ سلطنة فطاني دار السلام الإسلامية، 2009.
- أسماء القرآن الكريم وأسماء سوره وآياته: معجم موسوعي ميسر، 2009. 



صياد أسماك التونة الزرقاء



أسرّ إلى حبيبته أنه سيغير ليس فقط حياتهما، بل حيوات كل أهل البلدة، أخبرها أنه لن يسمح – بعد اليوم – لأحد أن يدنّس مياه
المحيط الشرقي المقدسّة، وأنه لن تمتد يد غريبة لسكانه ذوي الزعانف والخياشيم، نعم وعدها بأن الغرباء سيدفعون قرابين للبحر – كما كان يفعل الأجداد -، وسيؤدون ديات الضحايا وأثمان السمك، كل ذلك دفعة واحدة…

أخبرها أنها ستكون رحلة أو رحلتين، وسيصطاد الغرباء كأسماك التونة الزرقاء الجميلة، أو هكذا أخبره صديق طفولته الذي أصبح ثريًّا، صحيح أنه سيء السمعة لكنه فعلاً ثري….

للهفتها عليه أحبّت أن تثنيه عن تلك المغامرة، حاولت أن تجعله يعيد التفكير في الأمر، وأبقته لأيام…

نعم بقي أيّامًا فقط لأنه يحبها، لكنها أصبحت على يقين بأنه سيذهب قريبًا…

في ليلة رحلته البحرية تلك، ألقت بورقتها الأخيرة، ورقة السمعة
واسم آبائه والعشيرة التي ينتمي إليها، أجابها بضحكة جذلى فقد أعجبته حيلتها الذكية، وأدرك أنه قد أفرغ – بنجاح – كل ما في جعبتها من أفكار، في محاولتها أن تبقيه على اليابسة، أو قريبًا من الشاطئ على الأقل، كما كان يفعل أيام الشظف.

عبارة قالها وهو يقبلها باقتضاب كأنه يعاني تشنجًا في أحشائه، وهو يتصنع ابتسامة تلتمع معها دمعة، لازالت معلقة تحوم حول حدقة عينه منذ سنين، سأعود حبيبتي إن شاء الله، وسنكفّ عن أن نبقى ظلالاً تقتحمها عيون هذا العالم التافه.

وفى بوعده لمرّة واحدة، وسدد ديون العائلة كلها، زوّج نصف بني عمومته، وبنى ثلاثة بيوت، حتى أنه اشترى قطيعًا من الإبل، وعهد به للفرع البدوي من العشيرة، وحفر بئرًا لمزرعة كبيرة
أنشأها، فعل كل ذلك في ستة أشهر رغيدة، لكنه كان يخطط لرحلة أخرى، ليصطاد الغرباء كأسماك التونة الزرقاء…

لكن أسماك التونة الزرقاء تلك، شعرت بأن مرارة المياه تزداد حيث يبحر هذا الصياد وقاربه، فأوغلت في المحيط وأوغل خلفها، وأمعنت في الإيغال وأمعن خلفها، إلى حيث كان في انتظاره
حوت أزرق كبير، والكل يخشى ذاك الحوت ويكرهه، لا لشيء سوى أنه يهلك البحارة للتسلية عن قلبه المترهّل، دون ان يكلّف نفسه حتى عناء أكلهم!

أقامت العائلة لحبيبته بيتًا من العريش، على شاطئ البحر بعد أن ساءت صحتها، من كثرة ما انتظرت أن يقبل عليها، منبثقًا من خط الأفق الدامي، المتأرجح بين المحيط والسماء الزرقاوين حزنًا وكآبة.



محمود محمد حسن عبدي:
كاتب وباحث وشاعر صومالي من مدينة "بربرة" شمال
الصومال، وُلِد في أبوظبي سنة 1981.

أتم دراسته الإبتدائية والثانوية في مدارس دولة الأمارات العربية، درس القانون في كلية الحقوق بجامعة دمشق بالجمهورية العربية السورية.








واقعة كالخيال



الطفلة حياة وعائلتها في جولة سياحية، قادتهم في نهايتها إلى جوار السد العظيم، الطفلة ذات العاشرة تعشق الطبيعة رغم صغر سنها، فلكم أذهلتها - وهي بنت الصحراء- قمم الجبال بثلوجها،
وسفوحها بغاباتها، وذاك الساحل الجميل الممتد إلى ما لانهاية، وأمواج البحر تداعب شواطئه، واليوم هاهم أمام السد العظيم الذي طالما سمعوا عنه. 
وقفت تتأمله والشلال الهادر المنحدر من نفق فوق جانب جسمه الشاهق، لترتطم مياهه الساقطة بسرعة، ببداية المجرى الجديد للنهر، مشكلة غيمة ضبابية من الرذاذ، الذي أخذ الهواء يقذف بعضه نحو وجهها، فتضحك مبتهجة، ثم تفرد ذراعيها لاستقبال نفحة جديدة، ثم لتضحك مسرورة من جديد.
وأخذت تقترب من الحافة غير هيابة، أملاً باستقبال كم أكبر من الرذاذ؛ 
ولكن ... 
وعلى حين غرة، زلت قدمها فوقعت باتجاه النهر الهادر؛ انتبه
علي شقيقها الأكبر، فصاح: " حياة وقعت في النهر يا أبي !!! "وهرع الوالد باتجاه النهر ..
وهرع من ورائه الرجال الذين تصادف وجودهم هناك ...
وهرعت وراءهم الوالدة وهي تلطم خديها وتولول كمن أصابها مس من الجنون .... وإذ لمحها والدها وقد أخذت المياه تتقاذفها، ألقى بنفسه في النهر، ثم .. تبعه بعض الشبان،
ثم ...
تمكن أحدهم من الإمساك بثوبها،
ثم ....
جرها إلى الشاطئ ..
عندما مددها على الأرض المعشوشبة، كانت جثة هامدة، فوجهها الذي فقد دماءه غدا أبيضاً كالكلس، ونفسها المتوقف، وقلبها الذي كف عن النبض.. كلها مؤشرات على وفاتها.
كادت الصدمة تفقد والدها حياته، أما الوالدة فأخذت تصيح: " حياة ما هي بميتة .. حياة حية .. انهض يا ابا علي، فلننقلها إلى المستشفى حالاً .. هيا يا أبا علي، عد إلى رشدك فلا وقت للأحزان .. ابنتك حيّة يا رجل.. قلبي يحدثني بذلك ..قلبي يحدثني بذلك .. وقلب الأم دليلها!."
هب أبو علي، فحمل الطفلة إلى سيارته وألقاها -من ثم- في حضن
أمها في المقعد الخلفي، وصعد علي إلى جانبه، ثم انطلق بأقصى سرعة وفي أحد المنعطفات، انحرفت السيارة لتصطدم بالصخور...
أصيب الجميع بجروح مختلفة ...
ولكن حياة عادت إلى الحياة!.



نزار بهاء الدين الزين:
كاتب وفنان تشكيلي سوري مغترب، من مواليد دمشق عام
1931. بدأ حياته العملية كمعلم في دمشق وريفها لمدة خمس سنوات، عمل في الكويت كأخصائي إجتماعي ومثقف عام ، لمدة 33 سنة. إضافة  إلى عمله في صحف الكويت .
- كتب أول مجموعة قصصية بعنوان ( ضحية المجتمع ) عندما كان في الثانوية العامة عام 1949. 
- كتب مجموعته الثانية ( ساره روزنسكي ) سنة 1979
يعيش في الولايات المتحدة، عضو إتحاد كتاب الأنترنت العرب.
عضو الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب ArabWata.



Twitter Bird Gadget