حصة الأسد


كان يا مكان، في قديم الزمان... الغربال في التبن، وكان أسد في غابه، قانونها سائد فيها، حيوانات الغابة كلها تحت سيطرة الأسد. فرض ضريبة على كل الحيوانات، من النملة إلى الفيل، والطير والذئاب، كلها تدفع الضريبة. اسم هذه الضريبة "حصة الأسد".


حيوانات الغابة جميعها تعمل، تكدح، تشقى، يتعرق ما تحت ذيولها، لتقتطع إلى سيدها أفضل قطعة، وتقدمها كضريبة "حصة الأسد"، أفضل الأجاص لا يأكله الدب، بل يعطيه للأسد، يقدم الذئب كبد الغزال الذي يصطاده للأسد، وإذا علق ديك بأنياب ثعلب، يصبح الثعلب مضطراً أن يعطي الذّ قطعة منه وهي الزّور للأسد.

يختال الأسد في القصر، يأكل ويشرب مرتاحاً مسروراً، وسط الراقصين والمنافقين من القرود، والحكماء والعلماء من الببغاوات، والمطربين من الغربان. يخرج أحياناً ليقوم بعمل من جهة، وليهيب رعيته من جهة أخرى، فيستعرض جسمه، يلوح بذيله، يلعق شاربيه، يزأر مرة أو مرتين، ثم يعود إلى القصر ليغوص في ملذاته .

وخوفاً من أن تضع الحيوانات عقولها في رؤوسها وتثور يوماً، ومن قبيل الحيطة، وضع الأسد في قصره كلاباً للحراسة، ولأن ما كان يأخذه من الحيوانات كضريبة "حصة الأسد" كان كثيراً جداً فقد كان يرمي فضلاته للكلاب الحارسة القصر.

راح يوم... جاء يوم... اندلعت في إحدى الغابات المجاورة ثورة. الحمامات جلبن الخبر بأجنحتهن. اذ ذاك أيقنت الحيوانات أن الأسد على باطل. رفعت البلابل أصواتها أولاً:
- لماذا نعطي حصة الأسد لأسد مسن هفتان؟
وراحت تزقزق وتتأوّه: - حق... عدالة... حرية... مساواة.
سمعت كلاب الأزقة نجوى البلابل فركضت لكونها مكلفة بهذا العمل، وأخبرت كلاب الفينو بالأمر. نبحت كلاب الفينو منادية الكلاب الذئبية الأضخم منها، الكلاب الذئبية نبحت لرؤسائها من كلاب الرعاة... وهكذا دواليك حتى وصل الخبر إلى الأسد حاكم الغابة.
تفكر الأسد بالأمر، ثم اهتدى إلى طريقة تساعده على فرط الموضوع بالحسنى أصدر أمره إلى كلب صيد من كلابه بأن ينقل للبلابل هذا البلاغ :
- إي يا رعاياي البلابل... تسربت – على ما سمعت – أخبار مفسدة من الغابات الأجنبية إلى غابتنا التي تعيش في هناء، هدفها أن تزعزع الوحدة والتلاحم السائدين في غابتنا، وها أنتم أولاً بدأتم تزقزقون (حرية ). يا رعاياي البلابل ذات الأصوات الجميلة، ضعوا عقولكم في رؤوسكم... لماذا تثرثرون وتحرضون حيوانات الغابة وتعملون على إثارة الفتنة بدلاً من أن تزقزقوا وتغردوا فوق شجيرات الورد؟ تعالوا جميعاً إلى القصر... سلّوني بأغانيكم العذبة، ذلكم هو الفن، وأنا أعطيكم من حصة الأسد ما يشبعكم… وإذا كان من بينكم محبون للحرية يفضلون عدم المجيء إلى القصر فليثرثروا بقدر ما يريدون للورود، وأنا أرضيهم من "النفقات المستورة"... أما إن كان منكم من يصر على ارتكاب خلاف هذا فإن العدالة ستأخذ مجراها... ومخلبي يطالكم جميعاً!!

فور سماع هذا الخبر طار معظم البلابل إلى القصر. وضعها الأسد في أقفاص ذهبية، وخصّص لها شيئاً من "حصة الأسد"، وبهدف تسلية سادتها وزرع الفرح في قلوبهم، بدأت تمتدحهم وتغرد لهم.
وانقطع النفس والصوت في الغابة.

لكن!... وبالرغم من كل ما كان يحصل، بقي بعض بلابل في الغابة عاندت وقالت " القفص قفص سواء كان ذهبياً أو حديدياً"... وترنمت:
- يا عذابك أيها البلبل… يا عذابك!
نقلت الكلاب النبأ إلى الأسد بهز ذيولها، فانتفض الأسد حانقاً.
- لم يبق أحد على حق... بلاء البلابل في ألسنتها. لتقطع السنة البلابل التي لم تسكت!
ولدى صدور قانون الغابة الجديد هذا صاروا كلما قبضوا على بلبل يتأوه قطعوا لسانه. صارت البلابل المقطوعة الألسن تشكو همومها وعذاباتها بإشارات من الأعين والحواجب. فمُنعت إشارات العيون والحواجب، ثم أصدر الأسد بعد أن أيقن أنه لا يمكن الوقوف في وجه البلابل المقصوصة الألسنة، قانون غابةٍ جديد يقضي بقطع رؤوس المتمردين.
أصبحت الغابة ساكنة... ساكنة...

لكن ماذا تعمل الكلاب؟ يجب أن تعمل حتى تأخذ من حصة الأسد على حسب العمل الذي تقدمه للملك، ولتترقى وتترفع.
بدأت تجول في الغابة… لا شيء، لا يمكن سماع همسة. لكن مع هذا يجب أن يعثروا على بعض الأشياء! ولكي تعرف ما إذا كان ما يزال ثمة بلابل مخربه هدامة، جالت الكلاب في أرجاء الغابة... وبعد بحث وتدقيق قام بهما كلب صيد وكلب فينو، وجدا بلبلاً واقفاً على غصن شجيرة ورد، كان البلبل المسكين لا يستطيع أن يغرد أو حتى يغمز. كان من كبر همه، يغرس الشوك في صدره فيقطر دمه على الوردة وتنبس من عينيه قطرات ناعمة من الدمع، فكرا بحيلة يغضبان بها البلبل ليجعلاه يتكلم حتى يخبرا الأسد بذلك ويستفيدا.
قال الفينو:
- نعم يا أخي البلبل نعمل ونشقى ثم نطعم الأسد؟ ما هذا الإجحاف ؟ ما هذا التفريق؟
لم تنطلي حيلة الكلبين على البلبل، لكن كلب الصيد وكلب الفينو نبحا وبكيا، فلم يعد البلبل يطيق صبراً فخرجت من فمه كلمه واحدة:
- صحيح .
- ماذا؟ صحيح؟
وركض الكلبان بأقصى ما يستطيعان وأخبرا الملك بذلك، فقال الأسد:
- امسكوه... من يمسكه أجعله رئيس حرس القصر.
ركض الكلبان إلى البلبل، نبح كلب الصيد قائلاً:
- يا أخي البلبل! انك تتعب نفسك ولسانك ليلاً ونهاراً من أجل توعية إخوتنا الحيوانات في الغابة... واضح أنك مرهق للغاية، نم هنا وارتح، نحن نحرسك فلا يستطيع أحد أن يلمس منك ريشة.
صدق البلبل المسكين هذا الكلام، إذ استطاع كلب الصيد إقناعه لما لاحظه عليه من تأثر، وكان البلبل قد امضي أياماً دون نوم... فصدق. أغمض عينيه... وسرعان ما غط في نوم عميق.

فهل يقف كلب الفينو؟ هرررررت!.. أمسك بالبلبل من جناحيه، فعرف البلبل أنه وقع في الفخ، لكن ماذا تجديه هذه المعرفة الآن وقد أمسكه الكلب من جناحيه؟!
أخذ كلب الفينو البلبل في فمه وركض... ركض حتى يصل إلى القصر قبل كلب الصيد وينال المكافأة من الأسد، لكن هل يقف كلب الصيد متفرجاً؟ لحق بالفينو ونصب له شركاً كي يأخذ البلبل من فمه. فقال له:
- يا أخي الفينو! تمهل قليلاً حتى نصل كلانا إلى حضرة سيدنا الأسد وننبح معاً لنأخذ البشارة.
ولما تمهل الفينو انقض كلب الصيد على ذيله، صار جناحا البلبل في فم الفينو وذيل الفينو بين أنياب كلب الصيد. فكر البلبل بخدعة ينقذ بها نفسه من الكلبين فقال:
- يا أخوي الكلبين لقد قبضتما عليّ... ومن ذا الذي يعرف ماذا سيقدم لكما سيدنا لقاء هذه الخدمة؟ تعالا ندع لسيدنا الأسد بطول العمر ونصفق له!... بدلاً من الهدية التي سيعطيكما إياها.
شك الكلبان في الأمر، لكنهما خافا أن يقال إنهما لم يدعوا لسعادة سيدهما،ولم يصفقا له، وفي مثل هذه الحالة قد يشي أحدهما بالآخر… كانا مضطرين أن ينفذا ما اقترحه البلبل.
لكي يصفق كلب الصيد افلت ذيل الفينو من بين أنيابه... ولكي يدعو الفينو للملك فتح فمه و… فررررررر... طار البلبل وحط على غصن وردة.
وهنا أطلق البلبل لأول مرة في حياته شتيمة كبيرة، وقال:

- الذي يصدق كلام الكلب بعد اليوم فهو…
ونبح كلب الفينو الذي خسر صيده قائلاً:
- الذي يصدق كلام البلابل هو... والذي يدعو فهو….
شكك كلب الصيد بتعقل قائلاً:
والذي يصفق لسيده قبل أن يقبض المكافأة فهو... 

 

 

نقلاً عن موقع عزيز نيسين/بتصرف


عزيز نيسين

اسمه الحقيقي محمد نصرت نيسين من مواليد  تركيا عام 

1915.


عرف به فيما بعد كاسم مستعار للحماية ضد

 مطاردات الأمن السياسي في تركيا، ورغم

 ذلك فقد دخل السجون مرات عديدة.

يعتبر عزيز نيسين واحداً من أفضل كتاب

 الكوميديا السوداء في العالم أو ما تسمى

 بالقصص المضحكة المبكية، والمضحك المبكي في حياته أنه

 وبرغم شهرته الواسعة في كل أرجاء العالم كمبدع فذ إلا أن

 بلده الأم تركيا لم تعطه من حقه سوى القليل.

توفي عزيز نيسن في تموز عام 1995.



· كتب في العديد من الصحف التركية ومنها (الأراجوز والفج)

 كما عمد إلى إصدار مجلة أسبوعية خاصة به باسم (السبت) لم

 تستمر أكثر من ثمانية أسابيع.

· كانون الثاني/ 1946: تمكن بالتعاون مع الأديب التركي

 صباح الدين علي من إصدار جريدته الشهيرة (ماركو باشا)

 التي وصلت مبيعاتها إلى (60000) نسخة يومياً.

· 1946 اعتقل بسبب مقالاته في الجريدة التي سبق ذكرها.

· 1947 حوكم أمام محكمة عسكرية عرفية وحكم عليه بالسجن

 عشرة أشهر وبالنفي إلى (بورصة) ثلاثة أشهر ونصف بعد

 انقضاء المدة، وذلك بسبب انتقاده في أحد مقالاته للرئيس

 الأمريكي هنري ترومان.

وأغلقت على إثر مواقفه هذه جريدة (ماركو باشا) مع اعتقال

 صاحبها عزيز نسين، فعاود إصدارها باسم (معلوم باشا) وهكذا

 راح عزيز نسين يعيد إصدار المجلة مع تغيير اسمها في كل

 مرة يتم فيها اعتقاله وإيقاف الجريدة عن الصدور، فمن معلوم

 باشا إلى مرحوم باشا، ثم علي بابا، ثم باشاتنا، ثم ماركو باشا

 الحر، وأخيراً جريدة مَدَدْ.

· 1950 حكم عليه بالسجن ستة عشر شهراً بسبب ترجمته

 لأجزاء من كتاب ماركس.

· 1951 خرج من السجن لكنه لم يجد عملاً في الصحافة،

 فعمد لفتح دكان لبيع الكتب لكنه لم ينجح

· 1952 -1954 عمل مصوراً.

· 1955 اعتقل من دون يعرف سبب اعتقاله وأمضى بضعة

 أشهر في السجن.

· 1956 نال جائزة السعفة الذهبية من إيطاليا.

· 1956 أسس بالاشتراك مع الأديب التركي كمال طاهر داراً

 للنشر باسم (دار الفكر) لكنها احترقت في العام 1963 مع

 آلاف الكتب التي كانت بداخلها.

· 1957 نال جائزة السعفة الذهبية من إيطاليا للمرة الثانية على

 التوالي.

· تشرين الثاني / 1966: شارك في مؤتمر اتحاد كتاب آسيا

 وأفريقيا في القاهرة.

· 1966 نال جائزة القنفذ الذهبي من بلغاريا.

· 16 نيسان / 1967: انتخب نائباً لرئيس اتحاد الأدباء

 الأتراك، ثم انتخب رئيساً لنقابة الكتاب الأتراك بعد تأسيسها.

· أيار / 1967: شارك في مؤتمر اتحاد الكتاب السوفييت في

 موسكو.

· 1968 نال الجائزة الأولى في المسابقة التي أجريت في تركيا

 تخليداً لذكرى الشاعر الشعبي قراجه أوغلان عن مسرحياته

 "ثلاث مسرحيات أراجوزية".

· 1969 نال جائزة التمساح الأولى من الاتحاد السوفيتي.

· 1969 نال جائزة المجمع اللغوي التركي عن مسرحيته "جيجو".

· 1975 نال جائزة اللوتس الأولى من اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا.

· أنشأ عزيز نيسين وقفاً نذر له ريع كل أعماله الأدبية، وكانت

 مهمة هذا الوقف رعاية الأطفال الأيتام حتى آخر مراحل

 الدراسة الجامعية، وتأمين عمل أو مهنة لمن تعثر منهم ف

 دراسته، وقد استقبل هذا الوقف أول فوج من الأطفال الأيتام في

 أواخر العام 1977.

· 1979 شارك في مؤتمر اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا في لواندا.

· 1982 شارك في مؤتمر اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا في

 هانوي.

· 6 تموز 1995: توفي عزيز نيسين إثر إصابته بالسكتة

 القلبية.



 

Twitter Bird Gadget