قصة: أو هنري
ترجمة: عمار الحامد
ترجمة: عمار الحامد
بعد جدال طويل وزعت فيه الكثير من ماء وجهها بين بائع الخضار تارةً وبائع اللحم تارةً أخرى، جدال تحملت جراءه أن ينظر لها كل من في السوق نظرة شفقة صامتة كونها سيدة فقيرة،
استطاعت ديلا أن توفر دولار وسبع وثمانين سنت منها ستون سنتاً على شكل بنسات.
استطاعت ديلا أن توفر دولار وسبع وثمانين سنت منها ستون سنتاً على شكل بنسات.
أعادت ديلا عد المبلغ ثلاث مرات، فلم يزدد شيئاً، إنه دولار وسبع وثمانين سنت لا غير، فما العمل وغداً عيد الميلاد؟
جلست وأخذت تبكي بكاء الواثقة أن حياتها ليست سوى قليل من السعادة وكثير من الأحزان، بعد قليل، مسحت دموعها ووقفت حزينةً تنظر من النافذةِ إلى قطتها الرمادية وهي تمشي قرب سياج الفناء الخلفي الذي لونته الثلوج هو الآخر باللون الرمادي.
لقد دأبت طوال الشهور الماضية على توفير المال لهذه المناسبة، ولكن جميع جهودها باءت بالفشل، فغداً هو عيد الميلاد وليس لديها ما يكفي لشراء هدية لزوجها جيم، هدية لطيفة، لا بل رائعة واستثنائية تليق به.
لم يكن غلاء المعيشة ليحرم عائلة ديلنكهام الصغيرة من قضاء أوقات سعيدة، فقد إعتاد الزوجان على الإنفاق ضمن حدود العشرين دولاراً التي يحصل عليها الزوج أسبوعياً، لا بل ويدخران ما يزيد منها.
استدارت ديلا فجأةً صوب المرآة الطويلة الموضوعة بين نافذتي
الغرفة ونظرت إلى نفسها، فبرق في عينيها وميض سرعان ما إنطفأ وهي تنظر إلى وجهها الشاحب.
الغرفة ونظرت إلى نفسها، فبرق في عينيها وميض سرعان ما إنطفأ وهي تنظر إلى وجهها الشاحب.
لم تفكر طويلاً قبل أن تطلق سراح شعرها الجميل وتتركه ينساب ما شاء أن ينساب متمنيةً لو أن بلقيس حيةً ترزق وأنها تسكن معهم في ذات العمارة، ساعة إذ ستتعمد ديلا تجفيف شعرها عبر النافذة، لا لشيء، فقط لكي تبرهن للدنيا بأسرها أن صاحبة هذا الشعر تمتلك ما تفوق قيمته قيمة جميع جواهر الملكة.
تعانق شعر ديلا البني المتدفق كالشلال والذي نزل دون مستوى ركبتيها مع ثوبها الأبيض ليرسما سوياً لوحةً لم تخطر على بال بشر، ولكن سرعان ما قطعت ديلا على نفسها ذلك المشهد الجميل، فلقد قدحت في رأسها فكرةٌ ذرفت من أجل تنفيذها حرى الدموع.
شدت شعرها وارتدت معطفها وقبعتها البنية القديمة، وبحركةٍ رشيقة، وجدت نفسها تسير في الشارع، حتى إذا وصلت إلى لافتة مكتوب عليها: محلات مدام سفروني لجميع أنواع الشعر، تسابقت قدماها، فاندفعت داخل المحل مقطوعةَ الأنفاس.
سألت ديلا: هل تشترين شعري؟
أجابت صاحبة المحل: نعم أشتري، ارفعي قبعتكي ولنرى.
رفعت ديلا قبعتها، فتدفق شلال الشعر البني الجميل. قالت صاحبة المحل وهي ترفع خصلاً من شعر زبونتها بيدٍ متمرسة: عشرون دولاراً.
ردت ديلا: حسناً، أعطني المبلغ بسرعة.
لم تدخر ديلا جهداً خلال الساعتين التاليتين اللتان مرتا بسرعة البرق وهي تبحث في المتاجر عن هدية لزوجها، وأخيراً وجدت ضالتها، فهذه السلسلة الفضية الجميلة ذات القيمة العالية كما لو أنها صنعت من أجل جيم، ثم أنها تناسب ساعته الذهبية.
سارعت إلى دفع الواحد والعشرون دولاراً ثمن السلسلة إلى صاحب المتجر، ثم عادت إلى شقتها برفقة الهدية والسبع وثمانين سنتاً المتبقية.
بدأت حال وصولها بتصفيف ما تبقى من شعرها الذي أفلست منه بدافع حبها لزوجها، وإن كانت مهمة لملمة الحطام شبه مستحيلة، لكن استطاعت ديلا في أقل من ساعة أن تتوج رأسها بما تبقى لها
من خصل شعرها.
من خصل شعرها.
أمعنت النظر إلى وجهها الذي بدا كأنه وجه تلميذ وهي تحدث نفسها قائلةً: إذا لم يقتلني جيم، فإنه حتماً سيشبهني بمغنيات الكنيسة، ولكن ماذا عساي أفعل بدولار وسبع وثمانين سنتاً؟
في تمام السابعة مساءً، جهزت ديلا القهوة وتهيأت لطهي طعام العشاء، لكن جيم الذي ما عودها أن يتأخر، تأخر عن موعده هذه المرة، فلم تجد بداً من أن تنتظره قرب باب الشقة حاملةً معها السلسلة الفضية.
شحب وجهها وهي تنصت إلى وقع أقدامه، فأخذت تصلي لله قائلةً: أتوسل إليك يا رب! اجعلني أبدو في عينيه جميلة كما كنت! لم تكد تكمل صلاتها حتى فتح جيم الباب ودخل.
كان جيم رجل كل ما فيه لا يتناسب مع سنواته الإثنين والعشرين، رجل نحيف، جاد، وقور، أخذ الفقر منه شر مأخذ حتى أعجزه عن تجديد معطفه وقفازيه اللذان بدا عليهما القدم، وأنى له هذا؟ وهو على صغر سنه مسؤول عن إعالة أسرة.
تسمر جيم عند الباب وانطلقت عيناه تتفحصان ديلا بنظرة لم تجد لها تفسيراً، فارتعدت فرائصها، فهي ليست نظرة تعجب ولا خوف ولا حتى غضب.
كان ينظر إليها وقد إرتسمت على وجهه تعابير غريبة لم تكن بحسبانها، الأمر الذي جعلها تندفع نحوه باكيةً وهي تقول: حبيبي جيم! أرجوك! لا تنظر إلي هكذا! لقد قصصت شعري وبعته لأنني لا أتحمل أن يمر عيد الميلاد دون أن أهديك شيئاً... صدقني إن شعري ينمو بسرعة... هيا، قل لي عيد ميلاد سعيد ودعنا نحتفل هذه الليلة! لست تدري كم جميلة تلك الهدية التي اشتريتها لك.
سألها جيم متعجباً مما يسمع وكأن عقله توقف فجأةً عن العمل: ماذا تقولين! لقد قصصتي شعرك؟؟؟
أجابت ديلا: نعم لقد قصصته وبعته... ألا تزال تحبني كما في السابق؟ فأنا لم أزل كما أنا لم أتغير، بشعري أو بدون شعري.
كما لو كان يبحث عن شيء ما، جال بنظره في الغرفة، ثم قال متسائلاً: تقولين إن شعرك قد ذهب؟
ردت ديلا: لا تجهد نفسك في البحث، فكما قلت لك، إنني بعته وانتهى الأمر... إنها ليلة عيد الميلاد يا جيم! ارحمني! أقسمت عليك بشعري الذي قصصته من أجلك إلا ما رحمتني! قد يكون شعري له ثمن لكن حبي لك لا يقدر بثمن... والآن ماذا تقول يا صغيري؟ هل أضع طبق اللحم أم لا؟
أحاطها جيم بذراعيه قبل أن يخرج من معطفه علبةً ويضعها على المنضدة وهو يقول: لا تخطئي بحقي يا ديلا! ما كان شعرك المقصوص ليقلل من حبي لكِ يا مدللتي، لكنك لو فتحتِ هذه العلبة لأدركتِ السر وراء صدمتي.
انهالت أصابع ديلا البريئة على العلبة تمزيقاً، ثم صرخت بفرح سرعان ما تحول إلى حسرة لم يستطع قلبها الصغير إخفاءها، فبكت بكاءاً مراً أعيت معه زوجها الحيلة لإقناعها للكف عنه، كيف لا؟ والعلبة تحتوي على مشبك الشعر الجميل المصنوع من المحار
والمرصع بالجواهر والذي يتناسب لونه مع لون شعرها الذي كان شعرها قبل سويعات. كان ذلك المشبك ذاته الذي رفرف نحوه قلب ديلا منذ أن رأته ذات يوم في واجهة إحدى المحلات، لكنها كانت تعي جيداً أنه لم يصنع من أجلها كونه باهظ الثمن، لذا فلم تتمنى ولو لمرة أن تمتلكه، أما الآن، وقد أصبح بمتناول يدها، فإنها لم تعد تمتلك الشعر الذي تشبكه به.
والمرصع بالجواهر والذي يتناسب لونه مع لون شعرها الذي كان شعرها قبل سويعات. كان ذلك المشبك ذاته الذي رفرف نحوه قلب ديلا منذ أن رأته ذات يوم في واجهة إحدى المحلات، لكنها كانت تعي جيداً أنه لم يصنع من أجلها كونه باهظ الثمن، لذا فلم تتمنى ولو لمرة أن تمتلكه، أما الآن، وقد أصبح بمتناول يدها، فإنها لم تعد تمتلك الشعر الذي تشبكه به.
ضمت المشبك إليها وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة متفائلة وهي تقول: لا تقلق يا جيم! فإن شعري سريع النمو.
أدركت أن جيم لم يرى هديته بعد، فقفزت بسعادة وهي تريه السلسلة الفضية الأنيقة قائلةً: أليست رائعة يا جيم؟ لقد بحثت لك عنها في كل محلات المدينة... ستنظر إلى ساعتك مئة مرة في اليوم... هيا! أعطني ساعتك! أريد أن أرى كيف تبدو مع هذه السلسلة.
وبدلاً من أن يعطيها ساعته، استلقى جيم على الأريكة واضعاً كلتى يديه خلف رأسه وهو يقول مبتسماً: لنترك هدايا عيد الميلاد جانباً
بعض الوقت، لكن إن أردتِ الحقيقة، فمجرد استعمالها الآن هو أمر غاية في المتعة... لقد بعت ساعتي الذهبية لأحصل على المال الكافي لكي أشتري لكِ هذا المشبك... والآن، لما لا تضعين طبق اللحم يا عزيزتي؟
بعض الوقت، لكن إن أردتِ الحقيقة، فمجرد استعمالها الآن هو أمر غاية في المتعة... لقد بعت ساعتي الذهبية لأحصل على المال الكافي لكي أشتري لكِ هذا المشبك... والآن، لما لا تضعين طبق اللحم يا عزيزتي؟
نعم، لم يكن بحوزة عائلة ديلنكهام الصغيرة ما هو أثمن من ساعة الزوج الذهبية التي ورثها عن آبائه وأجداده، وشعر الزوجة الذي هو تاجها كما يعبرون.
أو هنري(1862-1910):
أو.هنري كان الاسم الذي أطلقه على نفسه الكاتب الأمريكي وليام سيدني بورتر، بعد خروجه من سجن (كولمبس) في ولاية أوهايو
أو.هنري كان الاسم الذي أطلقه على نفسه الكاتب الأمريكي وليام سيدني بورتر، بعد خروجه من سجن (كولمبس) في ولاية أوهايو
سنة 1898 بعد اتهامه بالاختلاس. اشتهرت قصصه القصيرة بخفة الدم والسخرية، وإطلاق النكت ونهايات قصصه ملتوية بارعة. صور في قصصه القصيرة التي يختلط فيها الهزل بالجد حياة الناس العاديين في مدينة نيويورك, ومن هنا عدت وثائق اجتماعية هامة.
على الرغم مما عرف عنه من حبه الشديد للدراسة، إلا أنه غادر مقاعدها وهو في سن الخامسة عشر ليذوب في زحمة الحياة العملية. توفي بداء تلف الكبد وذلك في نيويورك بعد أن ألقى الإدمان على الكحول وضنك العيش بظلالهما على آخر أيام حياته.
يعد أو هنري أحد رواد أدب القصة القصيرة في أميريكا والعالم، كيف لا، وهو الكاتب لما يزيد عن الست مئة قصة قصيرة.
أهم أعماله:
هدية المجوس
" الكرنب والملوك "
" المصباح المزركش " 1907
" قلب الغرب " 1907
" صوت المدينة " 1908
" طرق المقادير " 1909
" العروض " 1909
" عمل ليس إلا " 1910
" أعاصير "1910
وبعد وفاته صدرت له " ثلاث كتب :
" البستاني الرقيق ".
" الحجارة الدوارة ".
" أبناء السبيل ".
يعد أو هنري أحد رواد أدب القصة القصيرة في أميريكا والعالم، كيف لا، وهو الكاتب لما يزيد عن الست مئة قصة قصيرة.
أهم أعماله:
هدية المجوس
" الكرنب والملوك "
" المصباح المزركش " 1907
" قلب الغرب " 1907
" صوت المدينة " 1908
" طرق المقادير " 1909
" العروض " 1909
" عمل ليس إلا " 1910
" أعاصير "1910
وبعد وفاته صدرت له " ثلاث كتب :
" البستاني الرقيق ".
" الحجارة الدوارة ".
" أبناء السبيل ".