العالم والشاعر ل جبران خليل جبران




قالت الحية للحسون: (( ما أجمل طيرانك أيها الحسون ! ولكن
حبذا لو أنك تنسلّ إلى ثقوب الأرض وأوكارها. حيث تختلج عصارة الحياة في هدوء وسكون! )).

فأجابها الحسون وقال: (( أي وربي ! إنك واسعة المعرفة بعيدتها، بل انت أحكم جميع المخلوقات، ولكن حبذا لو أنك تطيرين )).


فقالت الحية كأنها لم تسمع شيئاً: (( مسكين أنت أيّها الحسون ! فأنك لا تستطيع أن تبصر أسرار العمق مثلي، ولا تقدر أن تتخطر في خزائن المماليك الخفية، فترى أسرارها ومحتواياتها، أما أنا فلا أبعد بك، فقد كنت في الأمس متكئة في كهف من
الياقوت الأحمر أشبه بقلب رمانة ناضجة، وأضأل الأشعة تحولها إلى وردةٍ من نور. فمن أعطي سواي في هذا العالم أن يرى 
مثل هذه الغرائب؟ )).

فقال لها الحسون: (( بالصواب قد حكمت أيتها الحكيمة، فلا أحد إلاك يستطيع أن يفترش ما تبلور من تذكارات العصور، وآثار الدهور. ولكن واأسفاه، فأنك لا تغردين ! )).

فقالت الحية: (( إنني أعرف نباتاً تمتدّ جذوره إلى أحشاء الأرض، وكل من يأكل من تلك الجذور يصير أجمل من عشتروت )).

فأجابها الحسون قائلاً: (( لا أحد، إلاك قد أهتدى إلى حسر القناع عن فكر الأرض السحري. ولكن واأسفاه، فأنك لا تطيرين ! )). 

فقالت الحية: (( وأعرف جدولاً أرجوانياً يجري تحت جبل عظيم، وكلّ من يشرب من هذا الجدول يصير خالداً. وليس بين الطير أو
الحيوان من أهتدى إلى ذلك الجدول سواي )).

فأجاب الحسون وقال (( بلى والله. فإن في منالك أن تكوني خالدة لو شئت. ولكن واأسفاة، فأنك لا تغردين ! )).

فقالت الحية: (( وأعرف هيكلاً مطموراً تحت تراب الأرض، لم يهتد إليه باحث أو منقب بعد، أزوره مرة في الشهر، وهو من بناء
جبابرة الأزمنة الغابرة. وقد نقشت على جدرانه أسرار جميع الأزمنة والأمكنة )).

فأجابها الحسون قائلاً: (( بلى أيتها الحكيمة العزيزة، فإنك لو شئت لاستطعت أن تكتنفي بلين جسدك جميع معارف الأجيال. ولكنك واأسفاه، لا تقدرين أن تطيري )).

فاشمأزت الحية إذ ذاك من حديثه، وارتدت عنه إلى وكرها وهي تبربر في ذاتها قائلة: 
(( قبحه الله من غرّيد فارغ الرأس !!! )) .


أما الحسون فطار وهو يغني بأعلى صوته قائلاً: 
(( واأسفاه، إنك لا تغردين ! واأسفاه، واأسفاه ياحكيمتي، فإنك لا تطيرين! )).



جبران خليل جبران:
 فيلسوف وشاعر وكاتب ورسام لبناني، ولد في 1883 في بلدة بشري شمال لبنان وتوفي في نيويورك 1931 بداء السل. هاجر وهو صغير مع أمه وإخوته إلى أمريكا عام 1895 حيث بدأ مشواره الأدبي. اشتهر عند العالم الغربي بكتابه الذي تم نشره سنة 1923 وهو كتاب النبي.
كانت عائلة جبران فقيرة، لذلك لم يستطع الذهاب للمدرسة، بدلاً من ذلك كان قسيس يأتي لجبران إلى المنزل ويعلمه الإنجيل والعربية والسريانية.
أسس جبران خليل جبران الرابطة القلمية مع كلِّ من ميخائيل نعيمة، عبد المسيح حداد، ونسيب عريضة.
تفاعل جبران مع قضايا عصره، وكان من أهمها التبعية العربية للدولة العثمانية والتي حاربها في كتبه ورسائله. وبالنظر إلى خلفيته المسيحية، فقد حرص جبران على توضيح موقفه بكونه ليس ضِدًا للإسلام الذي يحترمه ويتمنى عودة مجده، بل هو ضد تسييس الدين سواء الإسلامي أو المسيحي.

كتبه بالعربية:
الأرواح المتمردة 1908
الأجنحة المتكسرة 1912
دمعة وابتسامة 1914
المواكب 1918
العواصف (رواية).
البدائع والطرائف: مجموعة من مقالات وروايات تتحدث عن مواضيع عديدة لمخاطبة الطبيعة. نشر في مصر عام 1923.
عرائس المروج
نبذة في فن الموسيقى

كتبه بالإنكليزية:
المجنون 1918
السابق 1920
النبي 1923
رمل وزبد 1926
يسوع ابن الإنسان 1928
آلهة الأرض 1931
التائه 1932
حديقة النبي 1933
الأعلام للزركلي.

وكانت أمنية جبران أن يُدفن في لبنان، وقد تحقق له ذلك في 1932. دُفن جبران في صومعته القديمة في لبنان، فيما عُرف لاحقًا باسم متحف جبران.
وأراد أن تكتب هذه الكلمة على قبره:
«أنا حي مثلك وأنا واقف الآن إلى جانبك فاغمض عينيك والتفت تراني أمامك».



No comments:

Post a Comment

Twitter Bird Gadget