أقصوصة من كتاب "طوجو"
تأليف الأديب: مطانيوس ناعسي
"أمّ حبيب"، وما أدراكَ من هي "أمّ حبيب"؟!
إنَّها امرأةٌ فولاذيّةٌ، خلّفتْ تسعةَ أولادٍ من رجلٍ طيّبٍ، وقورٍ،
عاقلٍ، وحيلتُها بُستانٌ لها فيه فقط حقُّ الاستثمار!
ومن خُضَرِ ذلكَ البستانِ، ومن مردودِها المتواضعِ، أطعمتْهُم، كستهُم،
أَوَتهُم، و"حَسَّكت تنكة نقود"، اشترتْ بوساطتِها أرضًا صغيرةً، بنتْ
عليها منزلَ العائلة!
جبّارةً كانت "أمُّ حبيب"، "دبّيرة"، "حقّاويّة"، أختَ الرجال، كلمتُها لا
تصيرُ اثنتين، والويلُ لمن يُعاندُها أو يزعجُها، لذا خضعَ لها الأولادُ
خضوعًا تامًّا، وبايعَها زوجُها الزعامة، كما سكّان الحيّ جميعًا، إيمانًا
منهم بقدرتِها على تحصيلِ حقوقِهم، والذودِ عنهم، حتّى معَ الحكومةِ!
فلطالما عجزَ بائعُ البيضِ المتجوّلُ عن بيعِ بيضةٍ، قبلَ أن تفقسَ "أمُّ
حبيب" واحدةً أو اثنتينِ في مقلاتِها، وبائعُ الزيتِ عن تسويقِ نُقطةٍ،
إلاّ بعدَ أن يرقصَ بعضٌ من زيتِه في قدرِها، وجابي تعريفةِ المياهِ عن
قبضِ إيصالٍ، قبل أن تغسلَه وتعصرَه وتُنشّفَه، وجابي تعريفةِ الكهرباءِ من
تحصيلِ ليرةٍ، إلاّ
بعدَ أن تُكهربَه، وتُوقفَ له شعرَ رأسِه! أمّا أصحابُ
الدكاكينِ فكانوا ينشدونَ غبرةَ رضاها، فيما "الزعران" يهابونَها
ويتحاشونَها، فكمْ من حاجزٍ نصبَتْ على الطريقِ، لتصفعَ هذا الذي "شَفَّطَ"
بسيّارتِه، وتؤنّبَ ذاك الذي قلّلَ من أدَبهِ، وتشمطَ أذنَ تلكَ التي
شمّرَتْ عن ساقيها، قبلَ أنْ تنصحَهُم بالاختفاءِ من أمامِ وجهِها!
لم تكُن مُتعلّمةً، إلاّ أنَّها كانت حكيمةً، تزينُ
الأمورَ بواقعيّةٍ فطريّةٍ، فمعَ تسعةِ أولادٍ، الضروريّاتُ ضروريّاتٌ،
أمّا الكماليّاتُ، فكماليّاتٌ لا مكانَ لها على جدولِ أولويّاتِها!
وعلى الرغمِ من ضيقِ ذاتِ يدِها، ما بخلتْ على
أطفالِها بالعلمِ، فمنْ أبدى آنذاكَ رغبةً صادقةً بالتَّنَوُّرِ،
كان تلميذًا في المدرسةِ، ومن لم يفعلْ، كان تلميذًا في
البستانِ!
ولمّا كان "نعيم" و"جهاد" في عدادِ المُتعلّمينَ، فقد طالبَها الأوّلُ
بقاموسٍ لُغويٍّ، والثاني بحذاءٍ يليقُ بطُلاّبِ العلمِ، فَغَدَت بهما
صبيحةَ أحدِ الأيّامِ، سيرًا على الأقدامِ، إلى سوقِ "اللعازاريّة"، حيثُ
راحت تُفتّشُ وتُنقّبُ عن مطلبِهما في
الدكاكينِ، وعلى "البسطات"، بينَ البضائعِ الجديدةِ والمُستعملةِ، فللسعرِ أولويَّةٌ مُطْلَقَة! ولمّا وقعتْ على حذاءٍ جديدٍ، أقسمَ صاحبُه أنَّ سعرَهُ الأصليَّ عشرونَ ليرةً، وسيحسبُهُ لها بعشرٍ، لكونِها "النمرةَ" الأخيرةَ عندَهُ من هذا "الموديل"، أَمَرَت "جهاد" بانتعالِه، ففعلَ، وعلى الرغم مِن ضيقِ الحذاءِ، ومن تقوّسِ إبهاميهِ فيه، لم ينبسْ ببنتِ شفةٍ، خوفًا من ألاّ تبتاعَهُ الوالدةُ، فيعودَ إلى المنزلِ بذلكَ البالي، الذي لم يصدّقْ كيفَ سمحَتْ له برميِهِ في أوّلِ مستوعبٍ للقُمامة! ومن ثَمَّ دارَ البحثُ عن القاموسِ، وبعدَ وقتٍ ليسَ بقليلٍ، وَقَعَتْ، عندَ أحدِ الباعةِ على واحدٍ مُستعملٍ، بخمسِ ليراتٍ، فقرَّ رأيُها عليه، إلاّ أنَّ "نعيم" تجرّأَ واعترضَ على قرارِها، مُتسلّحًا بحجّةِ أنَّ حرفَ الألف غير موجودٍ فيه، فما كان من "أمّ حبيب" إلاّ أن أجابتهُ قائلة:
- وَإِن يَكُن؟!
- كيف يعني "وَإِن يَكُن" يا أمّي، كيف يعني "وَإِن يَكُن"؟! فكيفَ تُراني أستعملُ قاموسًا ليس فيه حرفُ الألف؟! كيف؟! رجاءً أمّي، اشتري لي ذاك الجديدَ، فالفرقُ ليرتانِ فقط! ليرتانِ! رجاءً!
- صه، هذا الحرفُ لن يُكسبَكَ الشهادة!
- رجاءً!
- قُلتُ هذا، يعني هذا، انتهى النقاش.
عندَها تدخّلَ البائعُ قائلاً:
- سيّدتي، الصبيُّ على حقٍّ، يجبُ أن يكونَ القاموسُ كاملاً!!!
- أسكتْ أنت، لم أطلبْ رأيك. فسكت. عندها، نقدتْهُ الليراتِ الخمسَ، وقفلتْ عائدةً مع ولديْها كما أتوا، سيرًا على الأقدام، إلى المنزلِ الواقعِ في جديدة المتن، فبلغوه، والدماءُ تقطرُ من كاحليْ "جهاد" المجروحينِ، والدموعُ من عينيْ "نعيم" الحمراوينِ!
مطانيوس ناعسي:
كاتب من شمال لبنان، وُلِدَ سنة 1965، في قرية "عين يعقوب"، مسقط رأس والده، وترعرع في جارتها "بزبينا"، مسقط...
رأس أمّه.
وهو أديب يأسر القلوب بسحر كلماته، ويُثير ذهول كلّ من يقرأ له، فنصوصه غنيَّة بالحِكَم البالغة، وبالمعاني المُبْتَكَرَة، كما بالرومانسيّة، ويكتب بأسلوب غنيّ بالصُوَر، وكأنَّه يحمل ريشة رسّام وليس قَلَمًا!
وهو مُفَكِّر متعمِّق، يبحث في شؤون الحياة، ويتبحَّر في شجون النفس البشريَّة.
باكورة أعماله المنشورة كانت رواية "حرف زائد" عالج فيها جمالية القناعة، وتفاؤل القيامة من الآلام كما تقوم عنقاء من رمادها. فمن فناء جسد "فادي" قام "ربيعٌ" غيّر معالم الحياة من حوله، فكان هو الرجل الذي أطلق النار على رأس الموت لتنتصر الحياة.
بعدها كانت روايته "نصفي الآخر" اليوتوبيا التي تفوَّق فيها على أي يوتوبيا عرفتها الفلسفة على مرّ العصور. فيها نظرة رجل آلمه الواقع فأحب أن يرسم بقلمه عالماً أجمل ينقل اليه كل من أحب مرافقته على متن سفينة الحلم والخيال ليزور مدينة السحر والضوء والحرية.
أما ثالث كتبه فكان "طوجو" مجموعة قصصية تناسب كل الأعمار، مع حفاظها على مرتبتها كمجموعة تربوية تثقيفية للناشئة بإمتياز.
"أشْـــــــعُرُ" كتاب خواطر يرتدي حلة كتاب تعاليم مُعلمٍ أراد أن يُلقِّن تلاميذه ومريديه الدرس الأهم... "الحياة"، بكل ما فيها من تناقضات.
وهو أديب يأسر القلوب بسحر كلماته، ويُثير ذهول كلّ من يقرأ له، فنصوصه غنيَّة بالحِكَم البالغة، وبالمعاني المُبْتَكَرَة، كما بالرومانسيّة، ويكتب بأسلوب غنيّ بالصُوَر، وكأنَّه يحمل ريشة رسّام وليس قَلَمًا!
وهو مُفَكِّر متعمِّق، يبحث في شؤون الحياة، ويتبحَّر في شجون النفس البشريَّة.
باكورة أعماله المنشورة كانت رواية "حرف زائد" عالج فيها جمالية القناعة، وتفاؤل القيامة من الآلام كما تقوم عنقاء من رمادها. فمن فناء جسد "فادي" قام "ربيعٌ" غيّر معالم الحياة من حوله، فكان هو الرجل الذي أطلق النار على رأس الموت لتنتصر الحياة.
بعدها كانت روايته "نصفي الآخر" اليوتوبيا التي تفوَّق فيها على أي يوتوبيا عرفتها الفلسفة على مرّ العصور. فيها نظرة رجل آلمه الواقع فأحب أن يرسم بقلمه عالماً أجمل ينقل اليه كل من أحب مرافقته على متن سفينة الحلم والخيال ليزور مدينة السحر والضوء والحرية.
أما ثالث كتبه فكان "طوجو" مجموعة قصصية تناسب كل الأعمار، مع حفاظها على مرتبتها كمجموعة تربوية تثقيفية للناشئة بإمتياز.
"أشْـــــــعُرُ" كتاب خواطر يرتدي حلة كتاب تعاليم مُعلمٍ أراد أن يُلقِّن تلاميذه ومريديه الدرس الأهم... "الحياة"، بكل ما فيها من تناقضات.
"...ونسبح" كتاب تعليم السباحة. يحتوي على أقاصيص من وحي الموضوع، وهو كتاب فريد من نوعه في العالم العربي.
"ضيعانك يا بلادي فينا".
" مات ابي مرتين " كتاب شعري قيّم يبرز مقدرة الأديب ناعسي الشعرية.
"ضيعانك يا بلادي فينا".
" مات ابي مرتين " كتاب شعري قيّم يبرز مقدرة الأديب ناعسي الشعرية.
No comments:
Post a Comment