من كتاب الادغال The Jungle Book

للكاتب البريطاني روديارد كبلنغ، الحاصل على جائزة نوبل

في الساعة السابعة من مساء يوم شديد الدفء عند جبال سيوني استيقظ الأب ذئب من نومه اليومي وحك جسده وتثاءب ثم مد أرجله واحدة اثر الأخرى ليطرد الكسل الذي يدب في أطرافها وظلت الام ذئبة راقدة وقد دست انفها الرمادي الكبير بين جرائها الأربعة الباكية التي وضعتها حديثاً وأرسل القمر ضوءه الفضي من فوهة الكهف الذي يعيشون فيه جميعاً.



 قال الأب ذئب:
- آه لقد حان الوقت للصيد ثانية.
وكان على وشك أن ينهض ويهبط عن التل عندما مر بالعتبة ظل صغير ذو ذيل منقوش وسمع عواء يقول:
- فليرافقك التوفيق يا زعيم الذئاب وليكن السعد والأنياب البيضاء القوية من نصيب صغارك النبلاء حتى لا يكون جائع في هذه الدنيا.
- وكان المتكلم ابن آوى اسمه <<تاباكي>> لاعق الصحون، والذئاب في بلاد الهند تحتقر ذلك الحيوان لانه يخلق المتاعب أينما حل أو ذهب ويثير الفتن ويأكل الفضلات التي يجدها في كومات قمامة القرية.
قال الأب ذئب في خشونة:
- ادخل يا هذا وانظر بنفسك فليس لدينا طعام.
أجاب تاباكي:
- ليس لديكم طعام لذئب ولكن عظمة جافة تكون وليمة طيبة لشخص وضيع مثلي فمن نحن حتى نتذلل ونختار؟ لسنا إلا بنات آوى.
وأسرع إلى نهاية الكهف حيث وجد عظمة غزال عليها بعض اللحم فجلس يلعقها ويهشم طرفها فرحاً مسروراً. ثم قال أخيراً وهو يلعق شفتيه:
- شكرا جزيلاً على هذه الأكلة الطيبة.
واستطرد وهو ينظر إلى الجراء:
- ما اجمل النبلاء الصغار يا للعيون النجلاء في هذه السن المبكرة! طبعاً طبعاً فأولاد الملوك رجال منذ الطفولة.
وكان تباكي يعرف أن النظر إلى الأطفال والتحدث عن محاسنهم يعرضهم لاصابة العين ويجلب الشؤم عليهم ويزعج آباءهم ومع ذلك تعمد ابن آوى هذا المديح وسره أن يرى معالم القلق والإحراج على وجه الأب ذئب والام ذئبة. وسكن تاباكي في مكانه فرحاً بما أحدثه من أذى و قال في خبث:
- لقد غير <شيرخان> منطقة قنصه وسيصيد في هذه التلال خلال الشهر القادم هكذا قال لي.
وشيرخان هو الببر الضخم الذي يعيش بالقرب من نهر <وانجونجا> على بعد عشرين ميلا من هذا المكان.
أجاب الأب ذئب في غضب:
- وبأي حق يفعل ذلك؟! إن قانون الغابة لا يبيح له تغيير منطقته قبل إخطارنا في الوقت المناسب سيخيف كل ما يصلح للصيد حولنا فيبعده عن متناولنا مع أنني في هذه الأيام اخرج في طلب طعام شخصين.
 
و قالت الام ذئبة في هدوء:

- لقد أصابت أمه إذ سمته <الأعرج> فهو اعرج منذ ولادته وكان لهذا لا يفترس غير الماشية الوادعة و القرويون في وانجونجا ناقمون عليه من اجل ذلك وهاهو ذا قد أتى ليغضب أهل القرى القريبة منا أيضا. سينقبون في الغابة ويقتفون آثاره و سنضطر إلى أن نهرب بأولادنا عندما يحرقون الأعشاب للبحث عنه فلشيرخان منا مزيد الشكر!


 
قال تاباكي:
- اؤبلغه شكركم؟
فثار الأب غضباً وقال:
- إليك عنا. هيا انصرف لتصيد مع سيدك فلقد أسأت إلينا هذه الليلة وحسبك ما حدث.
أجاب تاباكي في هدوء قبل أن ينصرف:
- سأنصرف وباستطاعتكم أن تسمعوا زئير شيرخان آتياً من الدغل ليتني أرحت نفسي ولم احملها مشقة نقل هذه الرسالة.



روديارد كبلنغ (1865 - 1936) "Rudyard Kipling" كاتب وشاعر بريطاني ولد في الهند من أهم أعماله "كتاب الأدغال" " The Jungle Book" وهو عبارة عن قصص قصيرة. حصل هذا الكاتب على جائزة نوبل سنة 1907 وبذلك يكون هو أصغر حائز على جائزة نوبل، وأول كاتب باللغة الإنجليزية يحصل عليها.

يعتبر كبلنغ أصغر من حاز على جائزة نوبل.

1 comment:

  1. رأيتُ في أقصوصة كبلنغ هذه روح أقاصيص "كليلة ودمنة" حيث يوصلُ الكاتب فكرته العميقة المغزى والمعنى من خلال جعل الحيوانات ناطقة. هي قصة كل عميل أو تابع لسيده الطاغية، الذي يحترف رسم هالة كبيرة الحجم جداً حول شراسة سيده بهدف نشر الرعب بين الرعية قبيل قدوم هذا المتزعم المحتل. لنستنتج بأنفسنا في النهاية أنه يمكن بالمعاونة والتكاتف والتكتل القضاء علي هكذا طغاة شرسين وعلى أزلامهم

    ReplyDelete

Twitter Bird Gadget