جذور: ملحمة عائلة أميركية Roots




رواية الجذور ليست سيرة ذاتية وإنما هي عمل أدبي متكامل يناقش حقبة من تاريخ الزنوج وهي حقبة تجارة الرقيق التي قادتها السفن من أدغال أفريقيا باتجاه مزارع قصب السكر والحقول في أوروبا واميركا في أقذر تجارة شهدها العالم. 
القصة تروي الرق والعبودية التي كان الغرب يحترفها بكل صورها المجردة من كل ذرة انسانية... انها العار ووصمته التي تميزت بها الشعوب الغربية .. فقد كان للفكر الاستعماري دور في ترويج شائعة أن أفريقيا هي غابات وأدغال يسكنها قوم لا يفقهون شيئاً.

اما عن عملية الخطف فقد كان يهجم الرجال البيض ومعهم السود الخونة على قرية، ثم يشعلوا النيران فيها، ومن نجا من النيران سقط في أيديهم، ويتم اقتياده بوحشية، أما من جرحوا بشدة أو العجائز أو الصغار ممن لا يستطيعون السفر فيقتلوا أمام أعين الآخرين.

وتكشف رواية "الجذور" عن المعاناة التي قاساها الأفارقة في ظل العبودية: "كانت كل القوانين في أمريكا تصب في مصلحة البيض، فإذا ضبط أبيض أحد الزنوج يحاول الهرب يمكنه أن يقتله ولاعقاب عليه. ويقول القانون عشر جلدات للزنجي إذا نظر  في عيون البيض، وثلاثين إذا رفع يده ضد سيده، ولا جنازة لزنجي حتى لا تنقلب لاجتماع، ويقول القانون تقطع أذن الزنجي إذا اقسم الناس البيض انه كان يكذب والأذنان إذا ادعوا أنه كذب مرتين، وإذا قتلت ابيض تشنق وإذا قتلت زنجياً تجلد".



كان "أليكس هايلي" (كاتب الرواية) ملهماً من الحكايات القديمة. وقضى اثني عشر عاماً وهو يبحث عن حكايات أسرته ويتتبع


تاريخ العائلة:
في بداية 1750 وفي قرية "جوفور" على مسيرة أربعة أيام من ساحل غامبيا في غرب أفريقيا ولد طفل ذكر يدعى كُنتا كنتِي Kunta Kinte، كان والده ذا كلمة مسموعة في منطقته فعلّم إبنه فنون القتال والصلابة.عاش كونتا مع أسرته حياة هادئة، وعندما بلغ السن التي تؤهله للعمل خرج لرعي بعض الماعز. وكان بعد الرعي يذهب لكتّاب القرية لحفظ القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية.
وفي أحد الايام اتَّجه للأدغال يفتش عن شجرة يصلح خشبها لعمل طبلة، فاختطفه تجار العبيد وهو في سن السادسة عشرة. وضعوه في سفينة ومعه ايضاً أعداد كبيرة فاقوا ال100 شخص وأبحروا بهم إلى بلاد الحرية. رحلة العذاب الطويلة التي تقطعها السفينة من ساحل أفريقيا إلى ساحل أمريكا الشرقي.. رحلة تمتد لعدة أشهر عبر محيط متقلب الأجواء وفي مكان أقل ما يوصف أنه قبر.



"استيقظ كونتا ليجد نفسه نائما على ظهره بين رجلين آخرين في حفرة من الظلام ، كان كل جسده كتله من الألم بسبب الضرب


الذي تلقاه لمدة أربعة أيام."




رفض كونتا الطعام الذي كان يقدم له، لم يكن طعاماً إنما شيئ صلب لا تتحمله المعدة.. كانت رحلة عصيبة، عانى فيها المحبوسون من آلام الأسر، الجوع، والرائحة النتنة. امتلأ كل المحبس بالقمل والبراغيث، والفئران الضخمة الحجم التي كانت تعض الجروح المتقيحة.
وصلت السفينة الى شواطئ أميركا وتبقى من المساجين تقريباً حوالي ال40 شخص والبقية ماتوا في الطريق من تعبه وإرهاقه فكل ما يموت شخص رموه ليصبح عشاءاً دسماً للسمك.


ونزل المساجين ومن ضمنهم كونتا وادخلو في المزاد وبيع بأعلى سعر في المزاد ب 750 دولار ل جون وولر من عائلة بروجوازية. كان كونتا يعلم فقط أن عليه أن يهرب من هذا المكان المخيف أو يموت في المحاولة . حاول أربع مرات أن يفعل، وبعد كل محاولة فاشلة يتعرض لأقسى أنواع التعذيب . وفي آخر محاولة للهرب، اختبأ في عربة لنقل التبغ، وظل يجري نحو الشرق نحو أفريقيا، واختبأ داخل دغل. فجأة سمع نباح كلاب، كان يطارده رجلان من البيض الذين يتعقبون السود الهاربين من أسيادهم.

دخل في معركة معهم وضرب احد الرجلين بحجر في وجهه، وأمسك أحد البيض بفأس صغيرة وأشار إلى قدم كونتا ، لقد هوت الفأس على قدمه فأطاحت بمقدمتها وصار كل شيئ مظلماً.






غضب السيد ويليام وولر من قطع قدم كونتا فقام بشرائه من أخيه، وعالجه من الجرح. وفي مزرعته استطاع "كونتا" أن يبدأ حياة جديدة ويتأقلم بعض الشيئ مع السود الذين يعملون في نفس المزرعة، حيث إعتنت به سيده سوداء "بيل" الطاهية في المنزل الكبير وأصبحت تعالجه وتدربه على المشي بعكاز وتزوجها وهو في سن الـ39 وأنجب منها بنتاً في 1790 اسماها "كيزي"، وأصر كونتا على تعليم ابنته كل شيئ عن أفريقيا. 




أصيب كونتا بالصدمة حينما سمع خبر أن سيده يريد ان يبيع "كيزي"، حاول أن ينقذ ابنته بكل ما يستطيع فأمسك بالسلاسل في جنون ..عندها دوت رصاصة من مسدس الشريف بجوار أذن كونتا فوقع على ركبته وأحس برأسه يكاد ينفجر..هجمت "بيل" على الشريف فلطمها بقوة أطاحت بها على الأرض وقام بحمل كيزي ووضعها في العربة وانطلق بها مهرولاً..حاول كونتا ان يتشبث بالعربة وراح يجري وراءها في ذهول حتى اختفت السيارة ..لقد ذهبت "كيزي" ولن تعود ..ولن يراها مرة اخرى،
حدث هذا وكان عمره 55 سنة.

فقد اشتراها سيد جديد من ولاية كارولينا اسمه توم لي، كان مجرد 
أفّاق نجح في جمع ثروة من مصارعة الديوك، في الليلة الأولى لكيزي في مزرعة توم لي قام باغتصابها بطريقة وحشية، واستمر يمارس ذلك لسنوات.
أنجبت كيزي ولداً في شتاء 1806، كانت تتمنى ان تسميه كونتا
أو كنتي، لكنها خشت غضب سيدها الذي أطلق على الصبي اسم "جورج". وعندما بلغ جورج سن الثالثة بدأت كيزي تحكي لابنها عن جده الأفريقي "إنه طويل وبشرته سوداء كالليل ويميل الى الوقار الشديد. وجورج هو والد جد "أليكس هايلي" (كاتب الرواية) من جهة أمه.
وفي 1862 أصدر لنكولن إعلان تحريرالعبيد جاعلاً من تحرير العبيد في الجنوب هدفاً للحرب، وسرى الخبر كالوميض بين ملايين الزنوج في الجنوب. وأخيراً في ابريل 1865 استسلم الجنوب وخرج الزنوج يقفزون هنا وهناك ويرقصون ويصيحون ويصلون صلاة الشكرلله.

صدرت هذه الرواية عام 1976، وترجمت إلى 37 لغة وبيع منها أكثر من 50 مليون نسخة وأصبحت أساساً لمسلسل تليفزيوني
حمل نفس الاسم حقق نجاحاً منقطع النظير. وحصل على عدد لا بأس به من الجوائز.
وقد الهمت الرواية انتاج عملين اخرين هما:
مسلسل «جذور: الاجيال القادمه» «Roots: The Next Generations» عام 1979
والفيلم التلفزيوني «جذور: الهبة» «Roots: The Gift» عام 1988.

أما قريته والقرية المجاورة لها في غامبيا، فإنهما أضحتا محجاً سياحيا للكثير من قراء الكتاب ومشاهدي الفيلم، كما اعترفت بهما
اليونسكو كموقعين أثرين تاريخيين بارزين.

حيث تحتوي مدينة جوفريه على متحف الذاكرة وقد أنشأته الحكومة الغامبية سنة 1996 متحفاً تذكارياً يضم لوحات فنية تظهر أسراً أفريقية مصفدة بالأغلال تساق بالقوة من طرف أوروبيين إلى السفن ليبدؤوا رحلة الإبحار إلى العالم الجديد.
ويضم المتحف كذلك خرائط لنقاط بيع الرقيق ومراكز نقلهم، إضافة إلى بعض الأسلحة البيضاء المتواضعة التي كان الأفارقة المحليون يعتمدون عليها في الدفاع عن النفس ومقاومة سطوة الرجل الأبيض.


أليكس هيلي Alex Haley :

(1921 - 1992) مؤلف وأديب أميريكي، وُلِدَ في نيويورك، 
وعمل في بداية حياته في خفر السواحل حيث كان يقضي معظم

وقته في البحر، فاشترى آلة كاتبة صغيرة وبدأ بكتابة الرسائل والأقاصيص في اوقات فراغه وهو على ظهر السفينة.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية سمح خفر السواحل ل أليكس بأن يعمل في دائرة الاعلام التابعة لحرس البحر، وقد استلم ادارة هذه الدائرة حتى نهاية حياته الوظيفية وتقاعده أي سنة 1959. 
استمر أليكس بالكتابة والنشر ولكن من دون تحقيق أي مكاسب مادية، وكانت فرصته الكبيرة عندما طلبت منه مجلة بلاي بوي
اجراء عدة حوارات مع شخصيات اميركية من أصل أفريقي أمثال: مارتن لوثر كينغ، مالكوم اكس، وسامي دايفيس وغيرهم...
ومن خلال مقابلته لمالكوم اكس تعرف عليه جيداً وكتب سيرة حياته سنة 1964.
بعدها قام وبتشجيع من مالكوم اكس بالبحث عن جذوره العائلية متنقلاً بين لندن وافريقيا والولايات المتحدة حيث يسكن. لم يترك مرجعاً ولا وثيقة تاريخية الا وبحث فيها حتى اصدر روايته هذه بعد 12 سنة من البحث المتواصل في عام 1976.





1 comment:

  1. مقال مميز تشكر عليه
    بالمناسبة
    الجذور تعود من جديد في 2016
    حيث يتم الان تصوير المسلسل بالكامل من جديد
    من انتاج قناة هيستوري
    ويشارك فيه نجوم كبار

    تحية لكم وتحية للجذور

    ReplyDelete

Twitter Bird Gadget