المتحف في بلاد الأمير



كان هناك متحف واحد في بلاد الأمير، واحد لا ثاني له في ربوع البلاد.. كان المتحف يسمى ” متحف الأمير” وكما هو واضح من إسمه كان لشخص الأمير فقط.. كانت مقتنيات الأمير تُجمَع
وتُعرَض في هذ المتحف.

وخلاف مقتنيات كل الأمراء والملوك، الرؤساء والقادة التي غالباً ما تجمع وتعرض في المتاحف للذكرى والتاريخ بعد رحيلهم عن دنياهم وعن شعوبهم، فإن مقتنيات الأمير في بلاد الأمير كان قد خصص وعيّن لها، بأمر من الأمير نفسه، فريق عمل فريد ومتخصص في جمعها وعرضها في المتحف الوحيد في البلاد.. وهو مازال حياً وشاباً!

بدء الفريق مهامه بجمع وعرض كل مقتنيات الأمير القديمة: كتب ومصاحف، مجلات وجرائد، بنادق ومسدسات، سيوف رماح وخناجر، ملابس وأحذية، سيارات وطائرات، ساعات يدوية وصور فوتوغرافية، سبحة ونظارة، أقلام ودفاتر… كل شيء .. كل شيء كان الأمير قد إقتناه يوماً ولم يبتلعه الدهر.

وفي نهاية كل سنة، كان الفريق يقيم عرضاً خاصاً وجديداً في
“متحف الأمير” للمقتنيات التي تمّ جمعها في تلك السنة. فكان المواطنون في بلاد الأمير يأتون من كل فجّ في البلاد للزيارة والمشاهدة. كانت زيارة “متحف الأمير” إجبارية في البداية.. إجبارية على كل مواطن ومواطنة في بلاد الأمير، ثم ومع مرور الزمن تحولت إلى عادة وطقوس علّق بها عقل وقلب كل مواطن ومواطنة.

مرّت سنين وإنتهى الفريق من جمع وعرض كل مقتنيات الأمير القديمة…وحين لم يعد لديه ما يجمعه ويعرضه، بلّغ الفريق الأمير ” الفجوة” التي يواجهها ” متحف الأمير”
، فبشّر الأمير الفريق بأن الأمر بسيط ومحلول وبأن لديه مقتنيات كان يجمعها من قديم الزمان والتي سوف تسد الفجوة الحالية. فتوجه الفريق مسرعاً إلى القصر الأميرى وإستلم المقتنيات الجديدة من الأمير. كانت المقتنيات الجديدة كثيرة وكافية حيث إضطرّ الفريق إخلاء المتحف من كل المقتنيات القديمة. ثم طفق الفريق يقدم دعاية وتسويقاً لا مثيل لهما طوال السنة للمقتنيات الجديدة. فكان المواطنون في بلاد الأمير ينتظرون بفارغ الصبر نهاية السنة لرؤية تلك المقتنيات.

أخيراً إنتهت السنة وجاء يوم العرض والمشاهدة في ” متحف الأمير” كما جاء المواطنون من كل حدب وصوب في بلاد الأمير…
فتحت أبواب المتحف وإندفع الجمع الغفير من الشباب والشيوخ والنساء والأطفال نحو المقتنيات الجديدة… كان الكل قد تعود على أن يطبع قبلة على كل مقتنى من المقتنيات المعروضة أو على الأقل أن يلمسه بيده حين لا يسعفه الزمن والزحمة. لكن هذه المرة، وخلاف كل العروض السابقة، كان هناك أمر غريب؛ رائحة كريهة نتنة أخذت تفوح من كل أقسام المتحف. كانت الرائحة قوية…قوية للغاية بحيث شعر بها الزوار وهم على بعد كيلومترات من المتحف. وكان هناك زوار أخرون، مواطنون من نفس البلد ولكن من جنس أخر.. أسراب من الذباب كانت تحوم
حول، خارج وداخل المتحف، هي أيضاً جاءت منجذبة نحو المقتنيات الجديدة!

لكن كل هذا لم يمنع المواطنين المخدّرين بحب أميرهم عن الإقبال على المقتنيات الجديدة، فقد تزاحموا عليها في شغف ولهفة، حتى صرخ أحدهم ” يا له من أمير مضحى ومحبّ لشعبه… أنظروا بالله عليكم، إنه لم يبخل علينا شيئاً… فقد كلّف نفسه حتى بتخزين فضلاته من أجلنا!…حفظك الله ورعاك يا سمو الأمير وكثّرالله فينا أمثالكم” وهو يمطر القبلات والدموع على الأكياس البلاستيكية المعبأة بفضلات الأمير!
 
 

علي حسن جمعالي:
كاتب صومالي من مواليد مدينة عيلطير الصومالية.
درس الطب والعلوم الصحية. اختير مقاله حول المجاعة في العالم في المسابقة العالمية للكتابة الإبداعية للقضايا الأكثر إلحاحاً في العالم في العام 2009، والتي تنظمها منظمة(Concern) سنوياً. له مجموعة من القصص القصيرة ، وروايتان، ومقالات وكتابات أخرى لم تنشر بعد.
 
 

3 comments:

  1. This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete
  2. This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete
  3. ملحوظة:-
    عند بداية كتابتي لهذه القصة، تنازعت على مخيلتي ثلاثة عناوين:
    المتحف في بلاد الملك
    المتحف في بلاد الرئيس
    المتحف في بلاد الأمير.
    وقد إخترت أخيرا العنوان الأخير.
    هذه القصة ،اذا، تعكس عن العقلية الدكتاتورية ومايمكن أن تفكر فيه عند التمادي، سواء كانت الدكتاتورية الملكية أو الدكتاتورية الرئاسية أو الدكتاتورية الأميرية.
    كما أنها تعكس عن سذاجة وجنون الرعية في التأييد الأعمى والسلبي لحاكمها!

    ReplyDelete

Twitter Bird Gadget