الغنيمة

 نادين غورديمير حاصلة على جائزة نوبل 1991




في يوم من أيام عصرنا الحالي ، حدث زلزال قوي: ولكنه في هذه المرة كان أكبر ما تم تسجيله قوة منذ إختراع مقياس ريختر والذي أتاح لنا قياس التحذيرات الغامضة. ولقد أدى هذا الزلزال إلى تغييرات واسعة النطاق، فهذه الهزات تتسبب غالباً في إحداث فيضانات، بينما هذا الزلزال الضخم أحدث فعلا عكسياً، فقد تراجع المحيط. وانزاح الستار عن الطبقة الأكثر غموضاً من عالمنا وهو قاع البحر بما يحتويه من حطام السفن الغارقة وواجهات المنازل وأوعية دورات المياه وشاشات التلفاز وعربات البريد وأجسام طائرات وتماثيل من الرخام ومدافع كلاشينكوف والأجزاء المعدنية من حافلات السائحين وغسالات أطباق أتوماتيكية وحاسب آلي وعملات تحولت إلي أحجار. أما النظرات المذهولة فقد وضحت بين كل هذه الأشياء، وكانت للسكان الذين هربوا من منازلهم المهدمة إلى التلال. وعلى الرغم من الصرخات والإنهيارات الأرضية التي تسببت في رعبهم ، فقد كان يسيطر على المكان الصمت العاري. وتلألأ زبد البحر فوق كل هذه الأشياء، ومن المفترض أن الوقت لا ولم يتواجد هناك على الإطلاق حيث أن مادية الماضي والحاضر لم يكن لها ترتيب زمني، حيث أن الجميع كانوا شخص واحد وكانوا لاشيء. وقد هرع الجميع لأخذ كل ما يستطيعون وضع أيديهم عليه وخاصة الأشياء التي كانت تعتبر ذات قيمة في وقت ما، ولكن ماهذا؟ حسناً، شخصاً ما يعلم، هذا لابد أنه يخص أحد الأغنياء، ولكنه ملكي الآن. وإذا لم تقم بسلب كل شىء هناك، فشخص أخر سيقوم بذلك، وزلت الأقدام وانزلقت على العشب البحري وغرقت داخل الرمال المشبعة بالماء وفغرت نباتات البحر فمها في دهشة نتيجة لأفعالهم، ولم يلحظ أحد عدم وجود أي أسماك، فقد أزيلت الكائنات الحية لهذه الأرض التي تم إكتشافها مع المياه. أما الفرصة العادية التي أتيحت للمواطنين لنهب المتاجر أثناء الإنتفاضات السياسية لا يمكن مقارنتها بما حدث. ومنحت البهجة المتسمة بالعربدة كل من الرجال والسيدات وأطفالهم القوة للتخلص من كل شىء لم يرغبوا به داخل الوحل والرمال ، بالإضافة إلى الإسراع من مشيتهم المذهلة أثناء تجولهم، وهذا كان يمثل أكثر من مجرد ربح نتيجة لظروف طارئة، حيث كان سلب لقوة الطبيعة والتي كانوا يهربون أمامها عاجزين. خذ، خذ؛ واستطاعوا تناسي حطام منازلهم وفقد ممتلكاتهم هناك أثناء عمليات السلب. وقد خرقت صيحاتهم لأحدهم الأخر الصمت الذي كان يلف المكان وأثناء هذه الصيحات التي كانت تشبه صيحات طائر النورس الغائب، لم يلتفتوا إلى قرب صوت بعيد يماثل الرياح الشديدة. وعندئذ عاد البحر مرة أخرى وابتلعهم لينضموا إلي كنوزه.







نادين غورديمير:
كاتبة من جنوب أفريقيا، ولدت  في نوفمبر 1923 في مدينة صغيرة بإقليم ترانسفال بجنوب أفريقيا وتوفيت سنة 2014. عائلتها برجوازية، وقد كبرت في بيئة التفرقة العنصرية التي كانت ترى تفوق العرق الأبيض على نظيره الأسود ولكنها لم تكن تحمل التفرقة العنصرية والمشاكل العرقية في بلدها. وبدأت الكتابة عندما كان عمرها تسع سنوات ونشرت قصتها الأولى عندما بلغت من العمر 14 عاما ولكنها لم تجتذب الكثير من الإهتمام حتى نشرت الرواية الأولى "أيام الكذب" عام 1953. وفازت بجائزة نوبل في الأداب عام 1991 وكانت المرة الأولى التي تمنح فيها الجائزة لسيدة خلال 25 عاما.


1 comment:

  1. انها "غوغائية الحشد" حيث تنتفي الأخلاق والتربية والتهذيب حتى ضمن أرفع طبقات المجتمع، ليحل الفساد والطمع والجشع في النفوس... فتعمى القلوب عن التبصّر بما يمكن أن يلحق هذا الخراب، وتعمى العيون عن رؤية المخاطر الآتية، لأنها ببساطة متلهية بالبحث عن كنوز دنيوية تتمسك بها تمسك الغريق في قشة

    ReplyDelete

Twitter Bird Gadget