أبو فياض وهذا هو لقبه، شاب في الثلاثينيات، أمّي لا يميز بين الألف والعصا كما يقال، ولا يتقن من الأعمال سوى حمل الأثقال، يكلفه تجار السوق بنقل البضائع من وإلى مخازنهم، وما يحصّله
من مال مقابل تسخير عضلاته، ينفق منه على عائلته الصغيرة المكونة من والدته، وزوجته الشابة، وطفله حديث الولادة...
وذات يوم، عاد أبو فياض، من عمله متعباً، هرعت زوجته كعادتها، فأحضرت " طشت" الماء الساخن وابتدأت تدلك قدميه..
وفجأة..
انقلب الرجل فوقها، وبصعوبة تمكنت زوجته بمساعدة حماتها، من الخلاص، وعندما قلبتاه على ظهره، لاحظتا الزبد وقد تجمع فغطى فمه، فأخذت المرأتان تولولان.
تجمع الجيران، ثم تمكنوا من الدخول عنوة، ليشاهدوا الرجل وقد فقد الحياة، إلا أن والدته رفضت الإعتراف بموته، وتوسلت أهل الخير ليحضروا له الطبيب أو ينقلوه إليه..
كان الوقت متأخراً.. ولكن الطبيب حضر، ليعلن وفاته ثم ليكتب لهم شهادة وفاته..
أما زوجته الثكلى فلم تكف عن الندب والبكاء،
وأما والدته المكلومة فما انفكت تردد: " ابني ليس ميتاً .. قلبي يحدثني بذلك !"
غسَّلوه .. سجوه في التابوت .. رفعوه على الأكتاف، وكلهم أسى وحزن على شبابه ..
حتى تجار السوق خرجوا في جنازته وقد تكفلوا بجميع مصروفاتها، وكلهم يلهجون بطيب أخلاق المرحوم أبي فياض وأمانته ...
أما زوجته الثكلى فلم تكف عن الندب والبكاء والإشادة بطيب أخلاقه وطلاوة لسانه وحسن معاملته ...
وأما والدته المكلومة فما انفكت تردد: " ابني ليس بميت .. قلبي يحدثني بذلك .. وقلب الأم دليلها ...وقلب الأم لا يخيب حدسه ...! "
في منتصف الطريق إلى المقبرة، شعر حاملو التابوت بحركة غير
عادية فيه، ظنوها في البداية كرامة،
ثم ..
سمعوا نقراً، فأجفلوا ..
ثم ...
أنزلوا التابوت على الأرض وقد انعقدت ألسنتهم دهشة،
ثم ....
رفعوا الغطاء،
ثم .....
ابتعدوا مذعورين، حين شاهدوا الميت وقد جلس وهو يحاول التخلص من كفنه؛
ثم ......
انقلب العزاء إلى فرح ....
نزار بهاء الدين الزين (1931 - 2014):
أديب وفنان تشكيلي سوري ولد بمدينة دمشق،عمل في البداية
كأستاذ مدرسة. ثم ذهب الى الكويت وعمل مرشداً اجتماعياً لمدة 33 سنة. وعاش في الولايات المتحدة الاميركية بعد تقاعده عام 1990.
- أول مجموعة قصصية بعنوان ( ضحية المجتمع ) عندما كان في الثانوية العامة عام 1949.
- كتب مجموعته الثانية ( ساره روزنسكي ) سنة 1979
وله الكثير من المقالات والمؤلفات والاقاصيص.