حماماتنا العامة ليست سيئة جداً، بوسعك الاستحمام فيها.
المشكلة الوحيدة في حمامتنا تتعلق بالتذاكر. يوم السبت الماضي ذهبت إلى أحد هذه الحمامات، أعطوني تذكرتين، واحدة لملابسي الداخلية والأخرى للقبعة والمعطف.
انظر حولك، كل ما هناك البطن والساقان. مشكلة التذاكر الوحيدة أنك لا تستطيع ربطها إلى لحيتك! حسناً لقد ربطت إلى كل ساق تذكرة وبهذا لن أضيعهما معاً في وقت واحد، ودخلت الحمام.
ها هي التذاكر الآن ترفرف حول ساقيّ. كم هو مزعج أن تمشي كذلك ولكن لابد مما لا بد منه لتحصل على جردل وإلا كيف يمكنك الاستحمام بدون جردل! تلك هي المشكلة الوحيدة!
بحثت عن جردل، رأيت أحد المواطنين يستحم مستخدماً ثلاثة
جرادل، يقف داخل واحد، يغسل رأسه في الثاني ويمسك بالثالث في يده اليسرى وبذلك لن يقدر أحد على سحبه منه. سحبت الجردل الثالث، أردت أن أخذه لنفسي. ولكن المواطن لم يتركه وقال لي :
ـ ما الذي تنوي فعله؟ سرقة جرادل الناس الآخرين!
وعندما سحبت الجردل نهرني قائلاً:
ـ سأرميك بالجردل بين عينيك عندها لن تكون سعيداً أيها اللعين!
ـ إنها ليست إمبراطورية تمشي حولك وتضرب الناس بالجرادل، هذه أنانية، أنانية مفرطة. للآخرين حق في الاستحمام أيضاً، أنك لست في مسرح.
لكنه أدار ظهره وبدأ يغتسل ثانية وقلت لنفسي:
ـ لا أستطيع الوقوف حوله منتظراً تلطفه. يبدوا أنه سيواصل الاغتسال مدة ثلاثة أيام أخرى.
وبعد ساعة رأيت رجلاً عجوزاً فاغراً فاه.
لعله يبحث عن الصابون أو أنه كان فقط يحلم. لست أدري؟ لم يكن ممسكاً بجردله. التقطته ووليت به هارباً.
الجردل الآن موجود، ولكن لا يوجد مكان للجلوس. وكونك تستحم
واقفاً! فأي استحمام هذا؟ تلك هي المشكلة الوحيدة!
حسناً ـ إنني الآن ممسك بجردل في يدي وبدأت أغتسل ـ ولكن كل الذين حولي، ينظفون ملابسهم كالمجانين، أحدهم يغسل بنطلونه، آخر يدعك سرواله وثالث يعصر ملابسه، ولهذا فبمجرد أن تغتسل فلا تلبث إلا أن تتسخ ثانية!
إن هؤلاء الأوغاد يطرطشون الماء علي. إن هذه الضوضاء الناتجة عن عملية التنظيف تصادر منك كل متع الاستحمام فلا تستطيع أن تسمع حتى حركة الصابون. تلك هي المشكلة الوحيدة؟
قلت لنفسي: "ليذهبوا إلى الجحيم. سأنهي الاستحمام في المنزل".
وعدت إلى حجرة الملابس وأعطيتهم تذكرة واحدة وأعطوني ملابسي الداخلية. نظرت ووجدت أن كل شيء لي ماعدا البنطلون قلت:
" أيها المواطنون بنطلوني ليس به فتحة هنا. بنطلوني فتحته هناك".
غير أن الخادم قال لي:
ـ ما جئنا هنا من أجل مراقبة فتحات بنطلونك فقط .أنت لست في مسرح!
حسناً لقد ارتديت هذا البنطلون، وعندما أوشكت أن ارتدي معطفي، طالبوني بالتذكرة. لقد نسيت التذكرة على ساقي. علي أن أخلع البنطلون. بحثت عن التذكرة. لم أجدها. ثمة خيط مربوط حول ساقي ولكن بدون تذكرة. لقد غُسِلت التذكرة!.
أعطيت للخادم الخيط. إنه لا يريده وقال لي:
ـ لن تأخذ أي شيء مقابل خيط، بوسع أي شخص أن يأتي بقطعة خيط وليس لدينا معاطف للتوزيع. انتظر حتى ينصرف الجميع ونعطيك ما تبقى.
ـ يا أخي افهمني، افرض أنه لم يبق شيء سوى رغاوي الصابون. هذا ليس مسرحاً، سأصف لك بنطلوني، له جيب واحد ممزق ولا يوجد آخر، وبالنسبة للأزرار فالعلوي منها موجود والأخرى لا ترى.
لقد أعطاني إياه لكنه لم يأخذ الخيط، ارتديت المعطف وانطلقت في الشارع. فجأة تذكرت أني نسيت الصابون، عدت ثانية، رفضوا دخولي وعليّ المعطف.
وقالوا لي:ـ "اخلع".
وقلت لهم:
- " أيها المواطنون! لا يمكنني أن أخلع للمرة الثالثة، أعطوني قيمة الصابون على الأقل".
ولكن لا حياة لمن تنادي، نعم لا حياة لمن تنادي، حسناً. عدت من غير الصابون.
طبعاً القارئ المعتاد على الشكليات قد يكون متلهفاً لأن يعرف أي نوع من الحمامات هذا؟ أين يقع؟ ما عنوانه؟ وله أقول إنه من النوع العادي الذي يكلف الاستحمام فيه فقط عشرة (كوبكات).
ميخائيل زوشتنشكو Mikhail Zoschenko:
واحد من الكتاب الروس المتمردين على الثورة الشيوعية. ولد عام 1895/ وتوفي عام 1985. لم يستطع اكمال دراسة القانون لأسباب مادية.
خدم بالجيش في الحرب العالمية الاولى.
ذاع صيته عام 1920 لتميز قصصه القصيرة وصوره الأدبية الساخرة والتي كان يوظفها لنقد مجتمع ما بعد الثورة في روسيا.
تميزت شخصيات سردياته بالبساطة والعادية.
انتهى نشاطه كأديب عام 1946 حيث طرد حينها من قبل اتحاد الكتاب السوفييت وظل بعد ذلك يكتب سراً.
No comments:
Post a Comment