تدور أحداث هذه القصة في مدينة الليالي البيضاء/ سانت بطرسبورغ، حيث يصور لنا من خلالها الكاتب نيكولاي غوغول حياة الموظف البسيط أكاكي أكاكييفتش، المسحوق مادياً
لم يكن أكاكي يجيب عنها، إلا حين بلوغها أقصى درجات السخرية، ليرد بعبارته الوحيدةعلى المحتقرين له "دعني وشأني، لماذا يحلو لك تعذيبي".
كان أكاكي يقضي اليوم بطوله في نسخ الوثائق، وبعد انتهاء العمل يعود إلى منزله ليتم ما عليه من نسخ، ثم يخلد بعدها للنوم.
وهكذا كانت الأيام تمضي عند موظفنا البسيط هذا. إلى أن يأتي اليوم الذي يعقد فيه أكاكي العزم على كسر رتابة حياته الروتينية، بأن يتخلى عن الرضا والإذعان لوضعه، وأن يبدأ في تعلية سقف طموحاته.
حدث هذا حين اجتاحت سانت بطرسبورغ، موجة صقيع قاسية واجهها أكاكي بمعطفه المرقع والذي لم يعد بوسع الخياط أن يجد بقعة ليغرس فيها إبرته، حينها اقتنع أكاكي أن عليه اقتناء معطف جديد، وفعلاً ذهب إلى الخياط لتفصيل معطف جديد. لكن من أين يأتي بالمال؟
الراتب بالكاد يكفي الأكل والشرب.
فكر الرجل. ولم يجد غير التقشف لمدة سنة كاملة حتى يدَّخر ثمن المعطف.
تخليوا أنه توقف عن شرب الشاي قبل النوم مع أنها المتعة الوحيدة التي لديه .
لم يعد يشعل قنديل المصباح ليلاً توفيراً لثمن الزيت. بل وصل به الأمر إلى حد إلغاء وجبة العشاء. وعند ذهابه للعمل كان يمشي على رؤوس أصابع قدميه ليحافظ على حذائه لأطول فترة ممكنة كي لا يضطر لشراء حذاء جديد وذلك من أجل توفير ثمن المعطف .
فخلال هذه السنة تحول المعطف إلى هدف وغاية، كان يفكر به طوال الوقت، ويشاهده في أحلامه. وكل أسبوع كان يذهب الى الخياط ليطمئن على المعطف.
مرَّت السنة وانتهى "التقشف" وحان يوم التسليم. عندما أرتدى المعطف كاد أن يصاب بنوبة قلبية من شدة الفرح، وعندما خرج إلى الشارع كاد يطير فرحاً، وخاصة عندما شعر بثقل المعطف على كتفيه. ففي هذه المرة كان يضحك من أعماقه.
في العمل نظر الزملاء إليه بدهشة، إنه يرتدي "معطف جديد"!
وللمرة الأولى دعاه أحد الزملاء إلى حفل عيد ميلاده. فذهب الى الحفلة وهو يشعر بالزهو وبأن لوجوده قيمة.
لكن!...
للأسف... لم تدم الفرحة طويلاً!
ففي طريق عودته هاجمه بعض اللصوص وأشبعوه ضرباً، وسرقوا المعطف. لم يساعده أحد من المارة رغم صراخه البائس واليائس. وظل مرمياً على الأرض يرتجف من شدة البرد والقهر والضعف.
الى أن استجمع قواه وقصد دائرة الشرطة لتساعده في كشف المجرمين أو في محاولة لإعادة المعطف له.
نظر المحقق إلى الرجل نظرة عدم اهتمام وقال له إنه لن يضيع وقته في مساألة تافهة "كسرقة معطف"!
فعاد الى غرفته " يرتجف من القهر والبرد".
بعد يومين قضاهما يهذي بكلمة "المعطف" مات صاحب المعطف.
ومع كل شتاء كانت روح صاحب المعطف البائسة تمشي في شوارع مدينة "سان بطرسبرغ الروسية" لتنتقم من كل إنسان يمتلك معطف.
نيقولاي فاسيليفتش غوغول 1809- 1852
ولد في قرية سورتشينتسي قرب مدينة بولتافا/أوكرانية. تأثر في صغره بطريقة حياة الفلاحين في الريف الأوكراني، وتقاليد شعب القوزاق وفولكلوره الغني. كان أبوه كاتب مسرحيات من وحي الفلكلور الأوكراني. وظهرت مواهب غوغول الأدبية والفنية في سن الثانية عشرة، وكان قد قلد العجائز في مسرح المدرسة بطريقة كوميدية.
يعتبر واحد من مؤسسي المدرسة الواقعية في الأدب الروسي في القرن التاسع عشر. كان يكتب بإسلوب كوميدي ساخر.
"النفوس ميتة" تعتبر أهم رواياته مع أنها لم تكن كاملة لأنه حرق بقيتها قبل أن يتوفى بعد اصابته بلوثة عقلية؛ كان السبب فيها قسيساً أدخل أفكاراً تحريمية في دماغه.
"المعطف" قصة إنسانية نُشرت عام 1842
قال عنها الروائي الشهير تورجينيف"كلنا خرجنا من معطف غوغول".
No comments:
Post a Comment