ترجمة: حميد مانع الحمداوي
كان هناك عدة تماثيل منحوتة على الحجر موضوعة على مسافات متساوية على طول سياج الكاتدرائية القديمة, بعض التماثيل تمثل صور ملائكة, ملوك وقسيسين, كل تلك التماثيل تقريبا ذات ايحاء
يدل على التقى والورع. لكن احد التماثيل,على الجهة الشمالية الباردة من المبنى, لم يكن على رأسه تاج او هالة نور ووجهه متجهم ومكتئب, لا بد ان يكون شيطاناً هذا ما رددته الحمامات الجاثمة على حافة السياج, لكن غراب برج الكنيسة قالها انه روح مفقودة.
في احد ايام الخريف, كان هناك طير جميل الصوت يرفرف على سطح الكاتدرائية قادماً من الحقول الجرداء باحثاً عن مكان يحط فيه في الشتاء. حاول الطير ان يريح قدميه على تمثال الملاك المجنح, لكن الحمامات طردته اينما حل, كما ان ضوضاء العصافير ابعدته عن حافة السياج. التجأ الطير الى تمثال الروح المفقودة الذي لا تلجأ اليه الحمامات لانه منحني كثيراً عن العمود. كما انه موجود في الظل. لم تكن يدي التمثال معقودة بشكل يدل على الورع كما في التماثيل الاخرى, لكنهما كانتا مفتولتان كناية عن التحدي. في كل مساء يلجأ الطير الى زاويته المقابلة لصدر التمثال, وعيناه المظلمتان تحرسان مجثم الطير. اخذ الطير الوحيد يحب حاميه الوحيد, ومن وقت لاخر يحط الطائر على دعامة
اخرى مطلق العنان لصوته الشجي وكأنه يعبر عن شكره لهذا المأوى. قد تكون الريح او الطقس هي التي اعطت وجه التمثال تلك التقاطيع. التي بدأ يفقد تدريجياً شيئاً من حدتها وبؤسها. في كل يوم وخلال ساعات النهار الطويلة المملة, يغني الطائر لحارسه الوحيد, وفي المساء عندما يقرع الناقوس, تخرج الخفافيش الرمادية الكبيرة من مخابئها, ويعود الطائر الصغير مغرداً ببضع تغريدات ويأوي الى الذراعين. كانت تلك اياماً سعيدة للتمثال المظلم. وناقوس الكنيسة يقرع ناقلا رسالته " ما بعد الفرح ... حزن "
لاحظ الاهالي طائراً رمادياً يحوم حول فناء الكاتدرائية, اعجبهم تغريده. قالوا "ياللاسف ", " كل هذا الصوت والغناء الجميل
سيضيع على الحاجز". انهم بؤساء ويفهمون مبادىء الاقتصاد السياسي. لهذا امسكوا بالطائر ووضعوه في قفص صغير عند الباب. افتقد في ذلك المساء الطائر المغرد من مكانه المعهود, ويعرف التمثال المظلم مرارة الوحدة. ربما يكون صديقه الصغير قد قتله قط متربص, او بالحجارة. ربما .... ربما طار الى مكان آخر. عند حلول الصباح, تردد الى مسامعه, في ظل ضوضاء الكاتدرائية, رسالة صديقه في القفص. اندهشت الحمامات للصمت المفاجىء عند الظهيرة, كانت العصافير تغسل نفسها عند نوافير المياه في الشارع, صعدت اغنية الطائر الى الاعلى ..... اغنية تدل على الجوع, والحنين واليأس, كانت صرخة لم يستجاب لها. لاحظت الحمامات ان التمثال مال الى الامام اكثر من قبل وخرج عن العمود. في احد الايام لم تسمع اغنية الطائر, كان يوماً من ابرد ايام الشتاء, الحمامات والعصافير تترقب من على سطح الكاتدرئية الى فتات الطعام التي تقتات عليها في الاوقات العصيبة.
قالت احدى الحمامات "هل رمى الناس اي فتات ؟"
أجابتها"طائر صغير ميت فقط"
كانت هناك جلبة في المساء على سطح الكاتدرائية, وصوت سقوط
مبنى. قال غراب الناقوس ان الصقيع اثر على البناء. تبين في الصباح ان تمثال الروح المفقودة سقط من على مكانه وتحول الى اشلاء.
هدلت حمامة وقالت"هذا ما توقعناه تماماً" وتطلعت الحمامات لوهلة على الركام " سيكون لدينا ملاك جميل هناك"
دق جرس الكنيسة معلناً " ما بعد الفرحة ..... حزن".
كاتب اسكوتلندي ولد عام 1870 في مدينة اكياب, بورما (مينمار حالياً) اعماله عبارة عن نقد لاذع للمشهد الاجتماعي في عهد الملك أدوارد. والده مفتش عام في شرطة بورما, ووالدته قتلتها بقرة في بريطانيا. جدير بالذكر انه يحمل افكاراً معادية للسامية ولديه عداء للنساء. توفي عام 1916.
No comments:
Post a Comment